تقترب صناديق الاقتراع من فتح أبوابها أمام جميع اللبنانيين في كل أنحاء البلاد، غداً الأحد، فيما تستنفر وسائل الإعلام لتغطية «العرس الديمقراطي» النيابي الأوّل منذ تسع سنوات. وفيما من الطبيعي أن تتجنّد الميديا المحلية لنقل مجريات الحدث، تتجه الأنظار إلى تلك الأجنبية ومدى اهتمامها بما يجري في هذا البلد الصغير. لا شكّ في أنّ اللبنانيين يظنّون أنّهم مالئو الدنيا وشاغلو الناس، لكن من الواضح أنّ عليهم إعادة التفكير في ذلك قليلاً. في مقابل بعض المؤسسات التي خصّت الانتخابات المرتقبة بفرق عمل ومساحات وافرة عبر منابرها، كمحطة «فرانس 24» الفرنسية مثلاً، تتعامل أغلبية التلفزيونات والصحف الغربية الأخرى مع ما يحدث هنا على أنّه «عرض جانبي»، مقارنة بما ينتظر المنطقة من تطوّرات، بدءاً بالانتخابات العراقية في 12 أيّار (مايو) الحالي، وليس انتهاءً بأرجحية انهيار الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران، مع حسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره في هذا الخصوص في اليوم نفسه، ناهيك بالتطوّرات المتعلقة بنقل السفارة الأميركية رسمياً إلى القدس المحتلة في 14 أيّار. هذا ما تشير إليه أجواء مراسلي المؤسسات الأجنبية الموجودين في بيروت، وفي مقارّهم الرئيسية في بلدانهم الأمّ.
(علاء رستم ــ سوريا)

لن تتعامل صحيفة «لوموند» الفرنسية مع الانتخابات النيابية اللبنانية كحدث استثنائي، خصوصاً أنّها ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الجمهور الفرنسي. هكذا، من المرجّح أن يكتفي مراسلاها في بيروت، لور ستيفان وبنجامين بارت، بتغطية «معتادة» للنتائج، وفق ما يؤكد بارت في اتصال مع «الأخبار». يأتي ذلك بعد سلسلة مقالات نشرتها الجريدة التي كانت توضع في الماضي في خانة «يسار الوسط»، وتنوّعت بين مقابلة حول الأجواء الانتخابية مع مدير «معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية» في باريس وأستاذ العلاقات الدولية في «جامعة القديس يوسف» في بيروت، كريم إميل بيطار، بالإضافة إلى أخرى عن وضع «حزب الله» في دائرة بعلبك ــ الهرمل، وأخرى عن سعد الحريري وإمكانية رئاسته الحكومة المقبلة، على أن تليها رابعة عن تيمور جنبلاط، في انتظار المقال الشامل لاحقاً عن النتائج، ومن ثم تحليلها. يستبعد بارت أن تخرج تغطية «لوموند» عن هذا الإطار، إلا «في حال حدوث مفاجآت»، مشيراً إلى تأثّر لبنان السريع بتطوّرات المنطقة (ولا سيّما بين إيران والولايات المتحدة)، غير أنّه لا يزال حتى الآن «محمياً من تداعيات التصعيد الإقليمي».
في المقابل، يبدو أنّ لـ «فرانس 24» أجندة أخرى. على الرغم من عدم اهتمام الداخل الفرنسي بحدث لبناني محلي مماثل، تتوجّه الشبكة التابعة للإعلام الخارجي الفرنسي إلى جمهور عربي عريض، و«تحرص على تغطية كل الأحداث المشابهة حيث تستطيع في الشرق الأوسط والعالم العربي»، كما تقول لنا الإعلامية اللبنانية العاملة فيها كوزيت إبراهيم. قادمة من باريس، حطّت الأخيرة أمس برفقة فريق عمل كامل في بيروت، إلى حيث سينقلون برنامج «النقاش» بالعربية والفرنسية والإنكليزية، على أن تقدّم القنوات الناطقة باللغات الثلاث مع موفديها الخاصين وشبكة مراسليها، نشرات خاصّة. كذلك ستنقل بالبث المباشر النتائج الأوّلية وردود الأفعال، مصحوبة بالعديد من المقابلات والتحقيقات التي تكمّل البرمجة الخاصة، ويمكن متابعتها على الشاشة الصغيرة والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. هكذا، سنكون غداً الأحد على موعد مع تغطية خاصة مباشرة (16:00 بتوقيت بيروت) على مدى ساعة، تليها عند السابعة مساءً نشرة إخبارية أطول من العادة لمتابعة إقفال صناديق الاقتراع مباشرة، مع ضيوف في الاستوديو ومداخلات مباشرة لموفداتها الخاصات إلى هناك: كوزيت إبراهيم (بالعربية)، وستيفاني أنطوان (بالفرنسية)، وسانام شانتياي (بالإنكليزية)، ثم نشرات خاصة تقدّمها حسنية مليح (بالعربية ــ 20:00 إلى 21:30)، وكلير بونيشون (بالفرنسية ــ 21:00) وناديا شربيط (بالإنكليزية ــ 20:00) من باريس ومن بيروت. وفي اليوم التالي، ستقدّم إبراهيم وأنطوان وشانتياي برنامج «النقاش» (20:10) مباشرة من بيروت، مع مروحة منوّعة من الضيوف. علماً بأنّ كوزيت تؤكد أنّها ستحاول إثارة مواضيع منوّعة تهمّ الجمهور مع ضيوف من مختلف الاتجاهات.
من جانبها، ستقدّم إذاعة «مونت كارلو الدولية» تغطية شاملة في نشراتها وبرامجها الخاصة من باريس بمشاركة موفدتها الخاصة إلى لبنان إيمان الحمود، بالإضافة إلى تخصيص برنامج «معكم حول الحدث» (بين 17:00 و18:00 ــ تقديم سعدة الصابري)، بعد غدٍ الاثنين لهذا الموضوع. أما موقع الشبكة الإلكتروني، فسيعرض اللحظات المميزة للانتخابات بواسطة مبعوثَيْه مارك ضو وليلا جاسنتو.
أرسلت «فرانس 24» و TRT World فريق عمل خاصاً لمتابعة التطوّرات


هناك بعض التجارب المشابهة لـ «فرانس 24»، وإن ليست بالزخم نفسه. على سبيل المثال، أرسلت قناةTRT World التركية فريق عمل خاصاً إلى العاصمة اللبنانية، مهمّته مواكبة مجريات الأمور على مدى أسبوع، قبل الانتخابات وأثناءها وبعدها.
من جهتها، لم تزوّدنا «هيئة الإذاعة البريطانية» بمعلومات مفصّلة عن تعاملها مع الاستحقاق النيابي، إلا أنّ رئيس قسم المراسلين والتخطيط في «بي. بي. سي عربي»، بسام العنداري، شدّد على «أننا نتعامل مع هذا الحدث بذهنية مرنة. سنفعل كل ما في وسعنا لتوفير تغطية حيّة ميدانية من أماكن مختلفة، لكنّ حجمها سيعتمد على ما يحدث على الأرض: حجم الإقبال، والتنظيم، والوضع الأمني، إلخ...»، موضحاً أننا «نتجنّب أي نوع من التغطية التي يمكن أن تؤثر بقرار الناخبين خلال العملية الانتخابية. وأتوقّع أن يكون الجزء الأوفر من التحليل بعد إغلاق صناديق الإقتراع». ثم يضيف: «سننظر إلى الانتخابات من منظور أشمل ممّا يمكن أن تركز عليه وسائل الإعلام المحلية، لأنّنا نبث لجمهور منتشر في مختلف الدول العربية قد لا يرغب بالضرورة في الغرق بالتفاصيل».
وعن أهمية الحدث اللبناني بالنسبة إلى هذه المؤسسة الإعلامية العريقة، يلفت العنداري إلى أنّه «في هذا الشهر نتوقع أحداثاً أكبر على المستوى الإقليمي والدولي. على السبيل المثال لا الحصر، هناك موعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس منتصف الشهر الحالي، وقبل ذلك نتوقع أن يحسم الرئيس ترامب قراره بشأن الاتفاق النووي مع إيران. لكل من هذين الحدثين تبعات على المستويَيْن الإقليمي والدولي تفوق ما للانتخابات التشريعية في لبنان. لذلك، لا نقلل من أهمية هذه الانتخابات بالنسبة إلى متابعي bbc، أو إلى جزء منهم على الأقل، ولكنّها من منظور عربي وإقليمي ليست القصة الأهم حالياً».
لا يبدو الإعلام الأميركي بعيداً عن هذه الأجواء. على جدول أعماله تطوّرات من «العيار الثقيل» عليه التعاطي معها في الأيام المقبلة، تهم متابعيه بنحو أكبر وتمسّ حياتهم. في هذا السياق، يمكن القول بضمير مرتاح إنّه لم تطأ الأراضي اللبنانية فرق عمل تابعة لشبكات إخبارية أميركية محلية، على الأقلّ وفق ما يؤكد صاحب إحدى الشركات اللبنانية المعروفة التي يلجأ إليها هؤلاء عادة لاستئجار معدّات وفي عمليات الإنتاج، ومراسلون أجانب تواصلنا معهم.
على صعيد موفدي المؤسسات الإعلامية الأميركية في بيروت، فشلنا في استصراح عدد منهم («سي. أن. أن»، و«نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست»...) لأسباب مرتبطة بـ «التراتبية الإدارية» حيناً و«البروتوكولات الداخلية» أحياناً أخرى، فضلاً عن «الأسباب الخاصة». غير أنّ الأجواء العامة تدلّ على أن «لا شيء غير اعتيادي» ضمن المخططات، إلا إذا خرجت الأمور عن سياق التوقعات!