أقامت «وزارة الإعلام» السورية أمس الثلاثاء حفلة بمناسبة العيد التاسع والخمسين لإطلاق «التلفزيون العربي السوري». المفارقة أنّ الحدث وكما جرت العادة إقتصر على مجموعة من الخطابات واللقاءات التلفزيونية التي يجريها المسؤولين في الوزارة، إضافة إلى سلسلة تكريمات لمراسلين ومصوّرين حربيين. ثم سيقفز سالم زهران (كالعادة) على الشاشة ليلقي قصيدة بعنوان «طبّل طبّل يا عمي الحاج». وكأنّ تاريخ التلفزيون العريق مختصر بسنوات الحرب الأخيرة.لم يأت أحد على ذكر الراحل صباح قباني الذي أطلق بصوته البثّ المباشر لـ «التلفزيون السوري» من على قمّة جبل قاسيون (يشرف على مدينة دمشق). ولا مرّ طيف موفق الخاني صاحب الفضل في خلق تراكم ذاكرة بصرية لدى أجيال متلاحقة في برنامج «من الألف إلى الياء». ولا حتى محمد توفيق البجيرمي الأستاذ الجامعي الذي جال على العالم وحصّل غرائبه في «طرائف من العالم». حتى العلّامة الإسلامي محمد سعيد رمضان البوطي كانت له يد طولى في الحضور الديني المعتدل على الشاشة الرسمية ببرنامجه الشهير «دراسات قرآنية». كونه بمثابة بحث كان يطرح فيه كل الاحتمالات الممكنة فيما يخص الوجود الإلهي وعدمه ويجيب عليها. مع ذلك صداه لم يسمع في احتفال أمس!. غالبية جيل الثمانينيات لا تذكر من التلفزيون السوري إلا «ما يطلبه الجمهور» لماريا ديب التي لم تكن حاضرة، و«مجلة التلفزيون» بنسخته الأصلية التي كانت تتناوب على تقديمه مذيعات عديدات أبرزهن أمل مكارم ولينا الأسعد. جلس الكوميديان دريد لحّام في الصف الأوّل بجانب زوجته كما جرت العادة في كل المحافل، لكن لم ينتبه أحد لأن المخضرم بسّام لطفي كان وحيداً في الصفوف الأخيرة. من ناحيته، غادر الموسيقي المعروف طاهر مامللي في منتصف الحفلة بينما ظلّت سوزان نجم الدين حتى النهاية. ربما كانت تنتظر تكريماً ما!؟
هنا، التكريم صار حكراً على وجوه حفظناها عن ظهر قلب. تقف تلك الأسماء أمام الشاشة تكرّر ببرود مطلق العبارات نفسها، ثم تعود إلى حياتها. الشاشة الكبرى في «ساحة الأمويين» كانت تعرض نشرة الأخبار أثناء التكريم الذي أقيم على بعد أمتار، أيّ في «دار الأوبرا». أما الدورة البرامجية فلم تتغيّر ولو قيد أنملة، بل واكبها نقمة عارمة على الفايسبوك. سأل الممثل أمير برازي كيف تزامن انطلاق شاشاتنا الرسمية مع شقيقتها المصرية التي تكاثرت لتملك «المحروسة» اليوم ما يزيد عن 50 فضائية. فيما سخر الكاتب سامر اسماعيل من البرامج التي تعرضها القنوات السورية معتبراً أنّ الاحتفال حصل بإغلاق قناة جديدة وهي المحطة الأرضية. أما الإعلامي في التلفزيون السوري عقبة الناعم فقد اختصر القصّة بجملة واحدة: «صار عمر التلفزيون 59 أيّ أن سنته القادمة للتقاعد».