بإيقاع سريع ولغة فضفاضة حمّالة أوجه، سارت السلسلة التوثيقية «التاريخ الذي لم يروَ» (إعداد: جاد غصن)، التي عُرضت طوال الأسبوع الماضي في نشرات أخبار قناة lbci، في محاولة لتوثيق الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد بين عامَيْ 1989 و2021. قبل انطلاقها، أثارت السلسلة الجدل بعدما أقحم ملصقها الإعلاني المقاومة بين وجوه سياسية عُرفت في تلك المرحلة بتورّطها في الفساد والمحاصصة ولعبة الدم في الحرب الأهلية. محاولة لفت الانتباه هذه، لم تكن عابرة أتت في سياق سياسي معروف، كما حصل سابقاً مع سلسلة Simplified التي اتهمت المقاومة بالتسبّب في الانهيار الاقتصادي الحاصل.
سبعة أجزاء، لم تتجاوز مدّة كلّ منها الأربع دقائق، عُرضت على مدى الأسبوع الماضي لتوثيق مرحلة الانهيار منذ ما قبل «اتفاق الطائف» وصولاً إلى ما بعد تظاهرات «17 تشرين». قارن فيها غصن بين اليوم والأمس، مستعرضاً أوجه الشبه بين المرحلتَيْن: انهيار الليرة والغضب الشعبي في الشارع.
إلّا أنّ المشكلة الأكبر هنا تقع في المادّة البصرية. فبينما أغنت السلسلة بصور ولقطات أرشيفية نادرة تملكها المحطة من فترة الثمانينيات وما بعدها، دخلت على خطّ التسييس من خلال استعراض خاطف للقطات من مهرجانات شعبية للمقاومة ولأمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله في سياق الحديث عن الانهيار والمحاصصة.
ولعلّ البارز أيضاً في هذه السلسلة، حديثها عن توظيف السياسات المالية والاستدانة والزبائنية لشراء الولاء السياسي، من دون الإشارة صراحةً إلى المتورّطين أو القائمين على هذه الممارسات التخريبية التي أوصلت البلاد إلى هذا الدرك.
هكذا، تستخدم «التاريخ الذي لم يروَ» عبارات فضفاضة عن الطبقة الحاكمة، وتُخصّص رفيق الحريري على سبيل المثال بمساحة وافرة تتطرّق إلى هندسته آنذاك للعبة الاقتصادية والاستدانة الدولية وإغراق البلاد أكثر في مستنقع الانهيار. يمرّ هذا من دون إشارة إلى مشروع الحريرية السياسية وما جلبته من ويلات على لبنان، لنصل بعدها إلى الهندسات المالية لحاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة، وشحّ العملات الأجنبية وتراكم الديون، وما عُرف وقتها بـ «خلوة فقرا» التي جمعت سلامة بالحريري وبجمعية المصارف واقتصاديين، واتُخذت بعدها إجراءات تقشّفية في القطاعات الحيوية. ثم يعود الحديث عن منطق العودة إلى الاستدانة في 1998، و«زرع بذور الانهيار»، كما أسمتها السلسلة، في عام 2019. هذا السياق أيضاً مرّ مرور الكرام، وكأنّه مجرّد «حدّوتة»، من دون تحديد المسؤوليات.
على الرغم من تكثيفها لأكثر من ثلاثين عاماً من الممارسات والإجراءات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه اليوم وسردها تفاصيل هذه المحطات التاريخية، إلا أنّ السلسلة تقف كالمتفرّج أمام المادّة التوثيقية، متكتفيةً باستعراضها لا بل بتضييع البوصلة لناحية الأحزاب و«أمراء الحرب والمال»، بخلاف ملصقها الإعلاني الذي كان صريحاً لجهة استثمار رمزية حمل السلاح/ الغنيمة من العدوّ الإسرائيلي ووضعه في مصاف واحد مع باقي الأطراف التي غرقت في القتل والمحاصصة.