خلال مشوار طويل، لم يتمكّن المخرّج السوري مؤمن الملّا من الخروج من كنف المدرسة التلفزيونية التي أسّسها شقيقه الراحل بسّام الملا الذي أرسى دعائم «الدراما الشامية» حتى نال عن استحقاق لقب «الآغا». مهما اختلفت معه، لا يمكن عدم احترام جماهريّته، ولعبة البساطة التي كان يتقنها في طرحه. ظلّ مؤمن كبقية العائلة الفنية الدمشقية مضطراً لأن يشتغل وفقاً لرؤية المشاريع التي يديرها شقيقه الأكبر وعرّابه إلى أن بدأ صوغ مشروعه الخاص منذ مسلسل «سوق الحرير».

لكنه في المقابل ظلّ يمتلك شجاعة تجعله يقول صراحة بأنّنا «في سوريا، ننجز دراما تلفزيونية لنسترزق لا كي نصنع فنّاً» ليجرب هذا العام طرح قيمة فنية وإنسانية لعمله، فيما يعرف كلّ من تعامل مع مخرج «سوق الحرير» بأنه يجيد قراءة النص التلفزيوني بطريقة تحليلية دقيقة، تجعله قادراً على مناقشة أدقّ التفاصيل، والسؤال عن مآلات كلّ حدث درامي ومبرراته. هذا العام يطرح الرجل نفسه للمرة الأولى خارج الصيغة المعتادة عبر «أغمض عينيك» (كتابة لؤي النوري وأحمد الملّا وإخراجه ـــ بطولة: عبد المنعم عمايري، أمل عرفة، منى واصف، أحمد الأحمد ـ «شاهد» و«التلفزيون السعودي») الذي هو أيضاً أوّل مسلسل سوري خالص يجنح باتجاه موضوع حساس وشائك، ويغوص في قضية إنسانية خالصة. لذا ربما يكون هذا العمل هو مسلسل الموسم على اعتبار أن حكايته تدور حول «جود» الطفل المصاب بطيف التوّحد، الذي يعاني صعوبات حسية في التواصل والكلام. يعيش مع والدته «حياة» وحيداً بعدما هجرهما والده. تضطر الأم لتركه بمفرده في وجه هذا العالم الموحش. تقع هذه المهمة الشاقة على عاتق «مؤنس» الرجل الخمسيني الذي يعمل أستاذ رياضيات تتّسم سلوكياته باللطافة والمسالمة والودّ نحو الجميع، وقد صار وحيداً بعد فقدانه زوجته وابنه الصغير في حادث سيارة.
يتشكّل بين جود ومؤنس رابط قوي غير مفهوم، لكن الثاني سيصطدم بالكثير من التحديات لإبقاء الطفل في أيد أمينة. من هنا تبدأ رحلة جود ومعه مؤنس في مواجهة التحديات المضنية لاستمرار الحياة. يكبر جود بعيداً من والدته ويستطيع أن يصل إلى الدراسة في الجامعة بعد نضال طويل. تختلف الصراعات وتتغير العلاقات بطريقة مفاجئة مع ظهور أشخاص جدد في حياة جود وعودة والدته وتطوّر الأحداث وسط أسئلة عميقة.