كلّما عُرضت حلقة جديدة من مسلسل «الحشاشين» (تأليف عبدالرحيم كمال ـــ إخراج بيتر ميمي ـــ بطولة كريم عبد العزيز وفتحي عبد الوهاب وميرنا نور الدين وأحمد عيد)، ازداد الهجوم عليه حتّى أصبحت الحوارات بين الأبطال مادةً دسمة للتندّر من قبل روّاد السوشال ميديا. فالحوارات بين الممثلين والحلقات التي عرضت حتى الآن من المسلسل الذي يُفترض أنه تاريخي، تؤكّد على أنه «فانتازيا» بعيدة عن التاريخ الحقيقي لجماعة «الحشاشين». ويبدو أن الأهداف وراء هذا الإنتاج الضخم لا علاقة لها بالفن، بل بالسياسة.قبل مناقشة الانتقادات والأخطاء التي وقع فيها المسلسل، يمكن تفهّم الكثير من الأمور عبر معرفة سياق إنتاجه، وخلفيات المشاركين فيه. تُنتج العمل «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» (تابعة للاستخبارات المصرية) فيما المخرج هو بيتر ميمي مخرج مسلسلات «الأمن» في مصر. هو الذي أخرج ثلاثة أجزاء من «كلبش» الذي يحكي عن بطولات ضابط شرطة مصري بعد ثورة 25 يناير 2011، ثم أخرج ثلاثة أجزاء من مسلسل «الاختيار» الشهير الذي يحكي ما حدث في مصر عقب الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين من الحكم، وهو المسلسل الذي كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يُعلّق عليه دوماً ويوليه اهتمامه. ويأتي كريم عبد العزيز بطلاً للمسلسل، وهو أيضاً من حزمة الفنانين الذين تخصّهم «الشركة المتحدة» بإنتاجاتها منذ مدة، ومؤلفه السيناريست عبد الرحيم كمال، هو الكاتب الذي تلقّى دعماً من الرئيس المصري مباشرةً على الهواء كي يكتب أعمالاً تاريخية. لدى ظهور عبد الرحيم في أحد البرامج التلفزيونية عام 2021، قال الرئيس له: «أنت شخصية رائعة تتحدث بشكل يعكس حجماً من المعرفة ورقي الفكر والثقافة، وأقول لك: جهز اللي أنت عايزه وأنا معاك، قضايانا كتير، وتناولها مهم جداً، ودعمي للإبداع موجود ومجهز له كويس، وبطلب منك إنك تعمل عمل تحشد فيه كل الموهبة في أسرع وقت ممكن لبناء الوعي الحقيقي». هذه المعطيات توضح إلى حد كبير كيفية إنتاج المسلسل الأضخم هذا العام على الشاشات المصرية والمنصات التابعة لـ «الشركة المتحدة»، فالمسلسل يقدم التاريخ من وجهة نظر «المتحدة» وشبكة علاقاتها الفنية مع المؤلف والمخرج والممثل، وهو المسلسل الثاني الذي يقدم وجهة نظر الشركة، دعماً لأفكار الرئيس المصري، بعدما عرض العام الماضي مسلسل «الإمام» الذي يحكي سيرة الإمام الشافعي بما يخدم السلطان أو الرئيس فقط، وواجه انتقادات كثيرة لتجاهله أموراً تاريخية مهمة في مقابل إبراز فكرة أنّ الإمام الشافعي هو الرجل المُخلّص من الظلم.
منذ عرض الحلقة الأولى من «الحشاشين»، كان واضحاً أنّ المسلسل يقدم فانتازيا تاريخية لا قصة جماعة «الحشاشين». وقد أثارت صداقة حسن الصباح وعمرو الخيام ونظام الملك جدلاً أكبر، إذ قدّمها المسلسل كأنها حقيقة في حين أن فارق العمر بين الثلاثة كان كبيراً لا يسمح بهذه الصداقة التي قدمها مؤلف «الحشاشين» رغم نفي كتب كثيرة لهذا الأمر. يخدم المسلسل أفكاراً يروّج لها مَن يعادون جماعة «الحشاشين» التي ظهرت في زمن الخلافة العباسية في الشرق، والخلافة الفاطمية في مصر والعالم العربي، في حين كانت منطقة فارس التي ظهر فيها حسن الصباح، محكومةً يومها من دولة السلاجقة (1037-1157). ولا تبين حلقات المسلسل حتى الآن دعوة حسن الصباح لمحاربة السلاجقة وظلمهم، ومعاداة الصليبيين الذي غزوا بلاداً إسلامية كثيرة، بل يصور المسلسل الصباح كرجل قاتل، رغم أن الجماعة نفسها عاشت سنوات طويلة بعد موت حسن الصباح في قلعة ألموت في بلاد فارس.
جعلها مؤلف المسلسل جماعةً دمويةً وقاتلةً


وإذا كانت هناك اختلافات كثيرة حول حركة «الحشاشين» وقائدها حسن الصباح، إلا أن هناك إجماعاً على أنّه قاد ثورة سياسية ضد السلاجقة بهدف إسقاط ظلمها، وهو ما لا يظهره المسلسل الذي صرفت ميزانية ضخمة على ديكوراته، فيما وقع في أخطاء ترتبط بالطراز المعماري السائد في تلك الفترة التاريخية، ووجهت انتقادات إلى المعمار الذي صوّرت فيه الحلقة الأولى حيث احتوى على معمار يعود إلى عصر المماليك، أي بعيد جداً عن الفترة التي ظهر فيها «الحشاشون»، وجعل مدينة أصفهان التي تتميز بعمارة محددة، مختلفةً تماماً عن الحقيقة التي توردها الكتب التاريخية.
جماعة «الحشاشين» التي أخافت التتار، جعلها مؤلف المسلسل جماعةً دمويةً وقاتلةً فقط لإرضاء الجمهور. كما أنّ صمودهم أمام الجيوش الأخرى لم يكن مقصد المسلسل، بل إنّ الحلقات الأولى كشفت أنّ العمل الدرامي يتوجه إلى المصريين من منطلق أنّ «الحشاشين» يشبهون جماعة الإخوان المسلمين ويتشابهون في الرغبة بالقتل. اللهجة كانت أيضاً أحد دوافع الهجوم ضد المسلسل، فهي عامية، لكن ربما تكون هذه النقطة الأضعف في الهجوم على المسلسل، لأن العامية المصرية مفهومة، وإن تم تقديم المسلسل بشكل تاريخي صحيح، لكانت اللهجة قد مرّت بشكل عادي، وهي نقطة أثيرت أيضاً لدى عرض مسلسل «الإمام».
ورغم أن مصر كانت محطة في حياة الصباح الذي استقرّ فيها أعواماً قليلة ولا خلاف على ذلك بين المؤرخين، وأنّه من الطائفة النزارية، إلا أنّ السياسة هي الكلمة الأولى لـ «الحشاشين»، إذ يتّضح مع كل حلقة جديدة أنّ «المتحدة» قدمت العمل الدرامي من أجل أهدافها السياسية لا الترفيهية، لتواصل عصر تحويل الأعمال الدرامية إلى خطابات موجّهة للمواطنين!

* «الحشّاشين»: س:21:15 على DMC
* س: 21:15 على منصة Watch it