بينما يسود جمود ميداني، توقّف بموجبه هجوم المشير خليفة حفتر عند التخوم الجنوبية للعاصمة الليبية طرابلس، التي تشمل مناطق شاسعة خالية وأحياءً غادرها سكانها، مقابل تواصل تحصينات القوات الموالية لحكومة «الوفاق الوطني»، انطلق رئيس المجلس الرئاسي لـ«الوفاق»، فائز السراج، ووزير داخليته، فتحي باشاغا، في جولة أوروبية بهدف حشد الدعم لمواجهة التهديدات الأمنية في طرابلس، ومحاولة تغيير «المواقف المترددة لدول أوروبية وإقليمية» كفرنسا، بالتزامن مع نشر تقرير سري أظهر أن خبراء أمميين يحققون في كون أبو ظبي ضالعة عسكرياً في الحرب.وانطلق السراج في جولته الأولى من نوعها بداية من إيطاليا التي حافظت على دعمها لحكومته منذ تشكيلها قبل ثلاثة أعوام، وهو ما أكده خلال لقائه رئيس الوزراء جوزيبي كونتي، صباح أمس. وأشاد بموقف روما «الذي كان واضحاً في إدانته للعدوان على طرابلس»، لكنه طالب «الأصدقاء الإيطاليين ببذل جهد أكبر لما لدى إيطاليا من مكانة وثقل دوليين يمكنهما أن يحدثا تغييراً إيجابياً في المواقف المترددة لدول أوروبية وإقليمية، وبما يعجّل في وقف العدوان، وعودة القوات المعتدية إلى الأماكن التي انطلقت منها».
في المقابل، يبدو أن الحكومة الإيطالية لا تريد وضع كل بيضها في سلة واحدة، وهو ما بدا في تجنب كونتي الانحياز الواضح إلى «الوفاق»، في تصريحات تحدث فيها عن عدم وجود «حل عسكري» في ليبيا على نحو مطلق، من دون أن يندد بهجوم حفتر على نحو واضح. ومرد ذلك سعي روما للعب دور وساطة بين المتقاتلين، الأمر الذي تحدث عنه كونتي سابقاً عندما أشار إلى وجود اتصالات مع جميع الأطراف، وأعاد تأكيده أمس أنه «على ثقة» أنه سيلتقي حفتر «بصورة مباشرة قريباً».
ورغم تبني روما لغة الحوار والتوسط، يبدو أن المحور الداعم لحفتر غير مقتنع تماماً بصدق نياتها. ففي حوار مع صحيفة «كورييرا ديلا سيرا» الإيطالية الواسعة الانتشار، قال وزير الخارجية في الحكومة المؤقتة الداعمة لحفتر والمتمركزة شرقي البلاد، عبد الهادي الحويج، إن إيطاليا «تقف على الجانب الخطأ»، وذلك لدعمها السراج «المرتهن للميليشيات» التي «ليس له أي سلطة عليها». وسعى الحويج إلى تبني لغة تُخيف إيطاليا، بالإشارة إلى أن تلك الميليشيات تعمل في تهريب البشر نحو سواحلها، لكنه نسي أن روما نفسها خططت، مع حكومة «الوفاق»، لبرامج احتواء لتلك الميليشيات عبر ضمها إلى القوات النظامية ودمجها في خفر السواحل وأجهزة أخرى.
يحقق خبراء أمميون في كون أبو ظبي ضالعة عسكرياً في الحرب


بعد هذه الزيارة، من المنتظر أن يصل السراج وفريقه إلى باريس اليوم (الأربعاء) للقاء الرئيس إيمانويل ماكرون، في زيارة قد تشمل لاحقاً لندن وبرلين. علاقة فرنسا بـ«الوفاق» ليست في أفضل أحوالها في المدة الأخيرة، إذ تنطلق من طرابلس اتهامات شبه يومية لها بدعمها لحفتر عملياتياً والتغطية عليه سياسياً، فيما ردت هي بالادعاء أن القوات الداعمة لـ«الوفاق» تشمل متطرفين ومهربي بشر. وربما تقابل خلال الزيارة الرجلان اللذان قادا حملات الاتهام المتبادل، أي وزير الداخلية الليبي، فتحي باشاغا، ووزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي يرى مراقبون أنه المسؤول الأول عن سياسة بلاده في ليبيا، وذلك منذ كان وزيراً للدفاع في زمن فرانسوا هولاند، وأنه هو من يدفع في اتجاه دعم حفتر.
بالتزامن مع جولة «الوفاق» الأوروبية، يستفيد السراج من الكشف عن تقرير سري قالت وكالة «فرانس برس» أمس إنها اطلعت عليه، وذلك للضغط على حلفاء حفتر لوقف الدعم العسكري الذي يقدمونه، خصوصاً الإمارات المتورطة في الهجوم على طرابلس، كما أكد خبراء دوليون يتبعون على الأغلب «لجنة مراقبة حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا»، وكانوا قد حللوا شظايا صواريخ استخدمت في طرابلس، وهي من نوع «بلو آرو»، وتعمل على طائرات
«وينغ لونغ» المسيرة، وكلاهما صيني الصنع، ولا يملك هذه الطائرات إلا عدد من البلدان في المنطقة، أبرزها الإمارات التي تستخدمها أيضاً في اليمن.
وفي واقع الأمر، ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها طيران إماراتي ومصري في دعم حفتر. ففي الأعوام السابقة، شنت القاهرة سلسلة من الغارات في مواقع مختلفة في ليبيا، تحت ذرائع متنوعة، أبرزها الانتقام لمواطنيها الذين أعدمهم تنظيم «داعش»، لكن أبو ظبي مضت أكثر من ذلك بتأسيس «قاعدة الخادم الجوية» التي وسعت طاقتها الاستيعابية تدريجاً، إلى أن صارت تشمل عدداً كبيراً ومتنوعاً من الطائرات، بينها ثلاث من طراز «وينغ لونغ» رُصدت سابقاً فوق مدينة درنة وأحياء بنغازي، ويسيّرها مرتزقة يتبعون شركة «إريك برانس» المتمركزة في الإمارات.