كلام ماكرون يبدو منفصلاً عن الواقع، إذ سبق أن أكد السراج وأقطاب الحكم في غرب ليبيا، أن لا سبيل إلى وقف إطلاق نار من دون تراجع قوات حفتر إلى مواقعها السابقة للهجوم، لأن بقاءها في أماكنها الحالية يعني استمرار خطر تنفيذ هجوم مباغت جديد في أي وقت، بل إن القوات الموالية لحكومة «الوفاق» ذهبت أبعد من ذلك، بإعلانها الحرب على حفتر في كامل البلاد، وليس فقط في حدود طرابلس. لكن ماكرون يتجاهل ذلك، بدعوة «الوفاق» إلى القبول بالأمر الواقع، ثم الدخول في مفاوضات تحت فوهة بندقية حفتر، تكون له فيها اليد العليا.
طالب ماكرون بوقف غير مشروط لإطلاق النار تحت رقابة أممية
وفيما تبدو فرنسا منحازة بوضوح إلى محور حفتر، من الممكن أن تحمل زيارة بريطانيا نتائج أفضل. ففي حوار أجرته معه صحيفة «ذي غارديان» أول من أمس، استبق وزير الخارجية، جيريمي هانت، زيارة السراج، بتجديد موقف بلاده مما يحصل في طرابلس، والذي أعلنه مع بداية الهجوم، حين قال «لا نتفق مع ما يفعله حفتر، لا نظن أنه يمكنه الوصول إلى نصر عسكري»، مستبقاً إمكانية سيطرة حفتر على أراضٍ من الغرب لبسط حكمه، بالقول: «نريد حلاً سياسياً».
مع ذلك، تحدث هانت أيضاً عن الحل الأفضل بالنسبة إلى بلاده، ويتمثل بـ«وقف إطلاق نار، وإجراء مباحثات سياسية، وصولاً إلى حل سياسي»، من دون أن يكشف أكثر عن شروط وقف إطلاق النار، لكنه تحدث عن وجوب عدم تكرار أخطاء التدخل الغربي لإسقاط القذافي عام 2011، وذلك عند سؤاله عما إذا كان الهجوم يُعطي الحق لحفتر في أن يكون وجهاً بارزاً في مستقبل ليبيا، إذ أجاب: «يجب أن نكون حذرين عند إطلاق أحكام مماثلة».
وبينما يحاول فائز السراج تحقيق تقدم على الجبهة الدبلوماسية، تستمر المناوشات في طرابلس. إذ سقطت صواريخ «غراد» عشوائياً على مناطق في بلدية السواني جنوب العاصمة، أمس، وهي ليست المرة الأولى التي يحصل فيها قصف مماثل، ويبدو الهدف منها إجبار السكان على إخلاء منازلهم حتى يتمكن مقاتلو حفتر من التقدم على نحو أسرع ومن دون اهتمام بالأضرار الجانبية. وبموازاة ذلك، يستمر أيضاً القصف الجوي، إذ تشن المقاتلات التابعة لحفتر غارات يومية، خاصة خلال الليل، على أهداف متنوعة في أحواز العاصمة وداخل بعض أحيائها. وفي هذا السياق، أعلن فرع «المنظمة العالمية للصحة» في ليبيا، أمس، ارتفاع عدد ضحايا الهجوم إلى 443 قتيلاً، و2110 جرحى، وأكثر من 60 ألف نازح عن منازلهم.