حسان الزينحزب الله كمقاومة وكتيار سياسي وعقائدي يتقاطع مع المشروع الإيراني ويستفيد منه ويدافع عنه. هذا أكيد لا يخفيه عاقل. حاله من حال التعبيرات السياسيّة والمذهبيّة والإيديولوجيّة التي جرى تبادل تلقيح بينها وبين جهة خارجيّة، هنا، على الأراضي اللبنانية. مثل رفيق الحريري مع السعوديّة، والقوات اللبنانيّة مع إسرائيل... في لحظة ما. الفارق بينه وبين كثيرين أنه حزب، مثل القوات اللبنانية قبل تفكيكها في عام 1993، وليس زعامة تقليدية أو شخصية وجدت لنفسها راعياً أو موجِّهاً.
وكونه حزباً ذا تنظيم مؤسّسي وحديدي وعقائدي، وفي لحظة إقليمية تشهد صعوداً لحليفه الأوّل، إيران، وتشهد صراعاً عربيّاً إسرائيليّاً لسوريا دور محوري فيه ويتوافق مع عقيدته وظروفه وإمكاناته، استطاع هذا الحزب تنمية قدراته وتوسعة وجوده وتمتينه، والقيام بمهمّة مثلّثة الأبعاد، أو أكثر: مقاومة الاحتلال (في لبنان وفلسطين)، حماية «الوجود» السوري في لبنان وإعادة إنتاجه بعد خروج الجيش السوري في عام 2005، والامتداد الإيراني.
رغم هذا، لا ينسى أحد، ولا سيما حزب الله نفسه، أنه حزب ذو هوية مذهبية. صحيح أن مذهبه منتشر في العديد من الدول العربية والإسلامية، إلا أنه أقليّة. وهذا معطى جوهري يتحرك حزب الله، وإيران أيضاً، من خلاله، ولا يغيب عن الذهن للحظة.
يختلف المشروع الإيراني عن المشروع السعودي في المنطقة. ولهذا الاختلاف امتداد لبناني وفي الصراع الإسرائيلي العربي عموماً. لكن تبقى «الفتنة» السنية الشيعية أمراً ليس هيّناً بالنسبة إلى إيران وحزب الله... أولاً لانعكاساتها على الشيعة حيث يوجدون. وإيران وحزب الله، مهما قيل إنهما جشعان ومغامران، يريدان أن يربحا لا أن يخسرا. واستراتيجيتهما قائمة على أن يكون المسلمون عموماً معهما، لا ضدّهما. هذا ليس تصديقاً ساذجاً لخطاب... هذه براغماتية. وإلّا كيف يمكن تفسير حماسة حزب الله وأمينه العام لنفي تهمة اغتيال رفيق الحريري؟ وكيف يُفسّر قول حسن نصر الله إن مخيّم نهر البارد خطٌّ أحمر؟ وكيف يمكن حزب الله أن يعمل مع الفلسطينيين ومع آخرين من الأكثرية الإسلامية؟
هذه أسئلة وغيرها مشروعة، منطقيّة، تطرح نفسها في ظل القرار الاتهامي المنتظر.
وبعد، إذا كان حزب الله قد سارع على هذا النحو الحماسي إلى رفض القرار الاتهامي، انطلاقاً من إدراكه آثار ذلك على نفسه وعلى إيران والشيعة عموماً، اجتماعياً وسياسياً، فهل من السهل عليه إقدامه على الفعل؟
أيغامر حزب الله بالشيعة؟
لا أحسب ذلك، وإلّا يكون الإقدام على الفعل، الاغتيال، انتحاراً، ولا سيّما أنّ حزب الله يدرك «النتائج»، بل إنّ اغتيال الحريري هو للنتائج، هدفه النتائج، وليس القتل لمجرّد القتل.
هنا، لا بدَّ من الوقوف عند الشخص المُغتال وعلاقته بحزب الله. لا وجود لشخص أفضل من رفيق الحريري للمبادرة ولصوغ حلول تناسب حزب الله وتناسب الآخرين. يعرف حزب الله ذلك، ويدرك ذلك الآخرون، بما في ذلك المخطّطون. ورفيق الحريري هو الأكثر استعداداً وإمكانيّة لتأمين آليات تنفيذ القرار الدولي 1559، كما فعل مع اتفاق الطائف واتفاق نيسان 1996 أيضاً.
ربَّ قائل هنا، إن الزمن، زمن الاغتيال، لم يكن وقت التسويات ورفيق الحريري. ربما. لكن هذا يُفضي إلى توجيه إصبع الاتهام إلى الأطراف كافةً، من أميركا جورج دبليو بوش إلى إسرائيل، إلى إيران، إلى حزب الله، إلى السعودية، إلى القاعدة...
يعيدنا هذا الكلام إلى نقطة الصفر في البحث عن الحقيقة؟ لِمَ لا! فالفريق المحلي والإقليمي والدولي المؤيد للمحكمة فعل ذلك حين «طوى» صفحة الاتهام السياسي إلى سوريا. ورأس التحقيق الدولي القاضي دانيال بلمار نفسه، أوّل من أمس فقط انتبه إلى أن عليه وعلى محكمته ضمّ ما أدلى به الأمين العام لحزب الله إلى ملفات التحقيق والمحكمة.
المهم أن نكون في نقطة الصفر، لا دون.