عذراً دولة الرئيس
منذ مدة أطلق الرئيس نبيه بري دعوته لإنشاء هيئة تبحث في إلغاء الطائفية السياسية. وعقب دعوته هذه، انبرى الزعماء والمفكرون والكتّاب والعنصر المعني مباشرة، ألا وهم رجال الدين، للتنظير والتبرير. منهم من دافع عن الفكرة ودعمها بغض النظر إن كان مقتنعاً بها أو لا، ومنهم من عارضها بدبلوماسية، وفي بعض الأحيان بهجومية غير مبررة أو غير مدعومة بأي منطق. وهنا يطرح السؤال المهم: هل لجنة أو هيئة أو أي صيغة أو قوة تستطيع نزع ما زرعه الاستعمار في نفوس اللبنانيين والشعب العربي، وغذّاه ورعاه أذيالهم وأعوانهم الذين ما زالوا يتبوّأون زعامات وألقاب أعطيت لهم وكتبت بدماء شعوبنا المظلومة وعرقها؟
وجواباً عن هذا السؤال، سأروي لكم حادثة ذات دلالة واقعية عن طبيعة هذا المجتمع الذي نعيش في كنفه ومدى المرض الطائفي المتفشّي فيه... لبنانيّ ممّن لا يزالون يؤمنون بأن لبنان بلد الحريات والانفتاح ذهب ليشتري شقة سكنية في إحدى مناطق لبنان معظم سكانها من لون طائفي واحد. ومن سوء حظّ أخينا هذا، أنه يساري تربّى على نبذ الطائفية ومقتها، وربما تهيّأ له أن أغلب من في لبنان هم كذلك. فهو يعيش في بلاد الاغتراب مع أقرانه اللبنانيين من جميع الفئات والطوائف بتناغم وانسجام. وربما ظن أيضاً أن كلام دولة الرئيس يعني أن الدولة المدنية التي حلم وما زال يحلم بها باتت في طور الولادة، ولكنه سرعان ما اكتشف أن لا درجته العلمية ولا فكره المتحرر ولا نقوده استطاعت أن تكسر جدار الجهل والانعزالية لدى أهل هذه المنطقة وصاحب هذا المسكن، فرفضوا أن يبيعوه المنزل لأن إخراج قيده يصنّفه من طائفة غير مرغوب فيها للسكنى عند لبنانيي هذه الضيعة.
هنا لا يسعنا إلا أن نتساءل هل يكون أسهل على المرء أن يعتمر العباءة والعقال، أم القلنسوة العبرية، ليذهب ويشتري ما أراد من منازل وعقارات في وطن الأرز، بحماية وتسهيلات من دولة ما فتئت تبيعنا وتشترينا في سوق النخاسة العالمي لمن يدفع أكثر؟
أخيراً، أقول عذراً دولة الرئيس. لا لن تنجح في مسعاك، فالطائفية هي الشريان التي يتغذى به مصّاصو دمائنا في بلادنا، وجذورها راسخة في أرضنا رسوخ شجر الأرز، ولن تنقرض إلا بانقراض هذه الزمرة الماجنة التي نرفعها حكاماً علينا بأصواتنا المغلولة التي تتغنّى بالحرية الكاذبة.
ولكن لا يزال هنالك بصيص أمل تعوّدنا أن نؤمن به ونثق بأنه سيأتي يوم وينتفض من تحت الرماد ليزيح الأصنام ويخلق المجتمع الواعي والحر الذي يبني الدولة المدنية الحرة والعادلة.
جهاد النجار