كان من اللافت أن تنشر مجلّة «أتلانتيك مونثلي» الأميركية مقالاً لروبرت كابلان يحاجج فيه بضرورة تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وايران، مشيراً إلى أن الأوان قد حان لـ»تعترف» أميركا، أخيراً، بأن النظام الإيراني موجود لكي يبقى، وأن تنهي حالة القطيعة مع الجمهورية الإسلامية، مقارناً حالة إيران بعلاقة أميركا مع الصين الشيوعية، التي رفضت واشنطن الاعتراف بها لأكثر من عقدين قبل أن تنتهي إلى «تفاهم استراتجي» معها.
لن يعني هذا المقال شيئاً كثيراً بالنسبة إلى العديد من العرب، المقتنعين أصلاً بأنّ أميركا وإيران هما حليفتان في الخفاء، وأنّ كلّ مسار السياسة الإقليمية في العقود الماضية ليس إلا لعبة مرايا هدفها خداع الشعب العربي؛ بحيث يصير أيّ احتكاك، أو اجتماعٍ، أو كلامٍ بين الإيرانيين وواشنطن دليلاً جديداً على هذه «الخديعة» (والطريف في الموضوع أنّ سردية المؤامرة الأميركية ـــ الإيرانية، كغيرها من تيمات البروباغاندا التي تحاول تشكيل ثقافة العرب عن إيران التي لا يعرفونها، هي، نفسها، نتاج دعاية أميركية طلبت وزارة الخارجية من الأنظمة العربية ترويجها منذ أقل من عشر سنوات، كما تظهر بوضوح وثائق ويكيليكس).
ولكن، بالنسبة إلى من يقطن على كوكب الأرض، ثمّة رمزية لا يمكن إغفالها في أن تنشر مجلّة أميركية محافظة مقالاً لكاتبٍ قريبٍ من المؤسسة السياسية والعسكرية، يميني وصهيوني (تطوّع في شبابه للخدمة في الجيش الإسرائيلي)، يدعو فيه إلى التعاون مع إيران وتجاهل رغبات إسرائيل والسعودية، الحليفين الأساسيين للولايات المتحدة في المنطقة.
قد يرى البعض هذا التحوّل نتيجةً طبيعية ليأس أميركا من تغيير النظام في طهران، أو مناورة من قبل إدارة أوباما قد تنتهي مع نهاية ولايته، أو أنّ واشنطن تعتمد ــ مع إيران كما مع كوبا ــ نظرية أن جذب المعادي إلى داخل النظام وجعله في وضعية الاعتماد عليه هي سياسة أجدى من عزله وإبقائه في حالة تحدٍّ ــ وتماهٍ مع باقي أعداء الإمبراطورية. منذ دخلت الصين في حالة «تعاون» مع أميركا عام 1972، مثلاً، لم تتخذ فعلياً أي موقفٍ جدي مناوئ للغرب.
في كلّ الأحوال، تشير هذه التحوّلات إلى طبيعة العلاقة مع النظام الدولي وشروط البقاء فيه، كذلك فإنها تذكيرٌ جديد بأنّه لا بديل من إنشاء مشروعٍ عربي مستقلّ، يعرف مكانه في المنطقة وفي العالم، ويعرف كيف يدافع عن مصالحه ومستقبله. أمّا من يتوهّم بأنّ بالإمكان بناء سيادة تحت المظلة الأميركية، أو المراهنة الدائمة على أفعال الآخرين، فمن الأفضل له أن ينسحب من ميدان الفعل ويستكين، كما يريد منه الأميركيون، إلى الخرافات والأوهام المريحة.