ماجد الشّيخفالمفاوضات الاضطراريّة غير المباشرة التي ذهب إليها أولمرت على عجل، لم تكن لتستند إلاّ إلى أسباب داخليّة، لها علاقة بوضعه الذي أمسى أكثر اهتزازاً في أعقاب سلسلة استجواباته في شأن قضايا الفساد والرشى، وتزايد أكثر في أعقاب تزايد المطالبات الحزبيّة والسّياسيّة باستقالته، بينما ذهب الاعتراض الشّعبي ضدّ أولمرت وسياسته باتّجاه الاعتراض على المفاوضات مع سوريا، بغض النّظر عن القضايا الأخلاقيّة والاستجواب بشأنها.
وإذا كان كلّ رؤساء الحكومات في إسرائيل لم يطرحوا انسحاباً جدّياً من الجولان، فإنّ أقصى ما يمكن أن يطرحه الجانب الإسرائيلي في ظلّ الوضع الراهن، لا يتعدّى طرح مسألة استئجار أرض الهضبة لفترة زمنية طويلة، وهو ما لا يمكن لسوريا أن توافق عليه مطلقاً. على أنّ إسرائيل في هذه الحالة، تكون قد برهنت على عدم جدّيّتها أو نيّتها الوصول إلى حلّ سياسي، أو اتّفاق تنسحب بموجبه من الجولان.
هذا رغم ما كان قاله أولمرت في اجتماع للجنة الخارجيّة والأمن في الكنيست، من أنّ هناك اليوم «خياراً وحشيّاً بين أرض إسرائيل الكاملة ودولة يهوديّة، وليس هناك من يمكن أن يجمع بين الأمرين سوى مشيّعي الأوهام ومن يفسّرون الواقع بشكل غير صائب». وهو ما يوحي بأنّ أولمرت مستعدّ لتقديم تنازلات، رغم تشديده إزاء المفاوضات غير المباشرة مع سوريا، أنّه «لم يعد بشيء عدا الجلوس والتفاوض».
لقد ذهبت الأجواء المضطربة حدّ الاهتزاز؛ اهتزاز إسرائيل كلّها جرّاء مستجدّات المفاوضات، وتلازمها أو ترافقها مع الاستجوابات الجارية مع أولمرت وتالانسكي، إلى حدّ أن أعاد تصريح لعضو الاتّحاد القومي آرييه إلداد، الدّاعي إلى قتل رئيس الحكومة (أولمرت) إذا ما تنازل عن الجولان، أعاد الأجواء في إسرائيل إلى تلك التي كانت قائمة قبيل اغتيال رئيس الحكومة الأسبق إسحق رابين بسبب اتفاقيّات أوسلو.
أمّا تصريحات إيهود باراك منذ مؤتمره الصحافي في 28 / 5، فقد مثّلت بدورها ضربة قاصمة لجهود أولمرت البقاء في الحكومة، واستمراره خوض مفاوضاته الخاصّة مع سوريا، ولو غير المباشرة حتى اللحظة، فهي في جانب منها، عملت على صبّ الماء في طاحون قوى أساسيّة في «كاديما»، كما في طاحون قوى اليمين الدّاعية إلى وقف المفاوضات، بل المزايدة على كلّ أولئك الذين خاضوا مفاوضاتهم الخاصّة إزاء الجولان، بمن فيهم باراك نفسه.
ولا يعاني أولمرت فقط من اعتراض اليمين على مفاوضاته مع سوريا، بل أمسى يعاني من جبهة عريضة ضدّه داخل حكومته وفي صفوف حزبه. وأشارت «معاريف» (26/5) إلى أنّ خمسة من وزراء كاديما بينهم شاؤول موفاز وزئيف بويم ومئير شطريت، يعارضون الانسحاب من الجولان. ولا يقلّ أهمّية عن ذلك أنّ عدداً كبيراً من أعضاء الكنيست من حزب أولمرت (كاديما) أعضاء في لجنة الدّفاع عن هضبة الجولان.
وثمّة أهمّيّة لهذا الكلام إذا ما علمنا أنّ هنالك مبادرة لجمع تواقيع أعضاء كنيست لتعديل «قانون الجولان»، بحيث لا يسمح التنازل عن الهضبة إلاّ بأغلبيّة الثّلثين.
أمّا وزيرة الخارجيّة تسيبي ليفني، فقد دعت خلال منتدى في القدس إلى أنّه على «كاديما» البدء فوراً بالاستعداد لكلّ سيناريو محتمَل، بما فيه الانتخابات المبكرة، وأعربت عن تأييدها إجراء انتخابات داخليّة لاختيار زعيم له. هذا فيما ذكرت «معاريف» (29/5) أنّ أولمرت أجرى أخيراً اتّصالات مع أعضاء في حزبه طالبهم خلالها بانتظاره حتّى يعود من زيارته لواشنطن نهاية الأسبوع الأوّل من حزيران الجاري.
وبحسب التّقديرات وفق الصحيفة، فإنّه ينوي مع عودته إجراء انتخابات داخليّة على زعامة الحزب لا يشارك هو فيها، ليسلّم الزّعيم الجديد راية القيادة، وبذلك يضمن لنفسه خروجاً مشرّفاً.
ولم يختلف موقف المعارضة الليكوديّة عن الآخرين. فقد أعلن بنيامين نتنياهو وجوب الذّهاب إلى انتخابات مبكّرة، بهدف منع التّنازل عن الجولان، جاء ذلك في المؤتمر السّنوي لليكود الذي افتُتِح يوم 29/5 تحت شعار «الليكود مع الجولان».
في وسط معمعة الاستقالة والاستجواب والمفاوضات، حاولت الصّحف الإسرائيليّة عرض السيناريوهات الممكنة في الواقع الجديد الذي أمست عليه إسرائيل اليوم. فأشارت إلى أنّ باراك ـــ إذا ما فهم أنّ أولمرت يحاول البقاء بشتّى السّبل ـــ سيضطرّ للخروج من الائتلاف والتّحالف مع المعارضة اليمينيّة من أجل تقديم موعد الانتخابات.
ويعتقد أنّ ذلك لن يحصل قبل نهاية شهر حزيران (يونيو) الجاري. الاحتمال الثّاني: وقوع تمرّد في «كاديما» كإحداث انشقاق أو الاتّفاق على إبعاد أولمرت عن زعامة الحزب.
وفي الحالتين السّابقتين ستجري انتخابات مبكّرة. كما لم تستبعد الصّحف أن يدرك أولمرت نفسه صعوبة وضعه، فيقرّر الاستقالة. وفي حالة كهذه تبقى حكومته على حالها، إلى أن يحصل الاتّفاق على حكومة جديدة، أو تقديم موعد الانتخابات، من هنا تهديد أولمرت بهذا الخيار، كونه يسمح له بكسب وقت يعيد فيه إجراء التّغييرات الّلازمة داخل كاديما، وبما يمنع ليفني من احتلال مكانه.
أمّا لجهة الآثار السّلبيّة على موضوعة المفاوضات في حال استقالة أولمرت، فذلك ما لن يؤثّر في الجوهر، ذلك أنّ المفاوضات على مسارها الفلسطيني لم تحقّق شيئاً جوهريّاً، اللهمّ إلاّ الاتّفاق على تأليف لجنة مشتركة لمنع التّحريض في الكتب التربويّة، ويمكن لأيّ حكومة أن تستأنف ما انتهت إليه الحكومة السابقة، دون أن يخلّ ذلك بما أرادت أو لم ترد الحكومات الإسرائيليّة تقديمه على طاولة المفاوضات.
لقد كشفت الأزمة الحاليّة التي تعصف بحكومة أولمرت، أنّ الاندفاع نحو التّفاوض غير المباشر مع سوريا، والتهدئة الجزئيّة وتواصل المفاوضات مع السّلطة الفلسطينيّة، هذا كلّه لم يكن أو لن يكون إلاّ الرمق الأخير في «حلاوة روح» هذه الحكومة ورئيسها الذي شهدت قيادته لها، أنّه كان يدير أزمة، أكثر مما لو كان يخوض في مفاوضات جدّيّة، لا دلائل أو إشارات فعليّة على جدّيّتها حتّى الآن.

* كاتب فلسطيني