ريمون هنودما كان متوقّعاً حَدَثَ؛ فحكومة السنيورة اللاشرعية على أرض الوطن، والشرعية بنظر دول الإمبريالية والاستعمار واعترافها رغماً عن أنف الشعب المسكين الذي ذاقَ العلقم جرّاء سياساتها الإفقاريّة المتعمّدة وسلسلة إذعاناتها الطوعية التي أعمت بصيرتها، رفضت الذهاب إلى القمّة العربية، ولم يعد باستطاعتها تمييز العدو من الصديق، راقصةً على قبور أمجاد كوكبة كانت رأس حربة مجيدة غرزت حرابها في خاصرة العدوّ التلموديّ الوحشي الغاصب وأمعائه في خمسينيات وستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
هذه القبور التي تصدح من قعرها أصوات مقدّسة تنطق دُرراً بأصوات جهورية: يا دهر أرجع لنا ما كان، بالله عليك يا دهر قل للخلّان، لفلذات الأكباد: الباطل زهوقاً والمغريات التي يفوح أريجها النتن من أزقّة بيروت الوطنية وزواريبها وسائر وطن الأرز العربي منتجاً رشى، لن تعود باليسر إلّا على قتلة أطفالنا في لبنان وفلسطين والعراق.
أيا دهر قل للخلّان: متى ستتحرّرون من السكرة وتعود الفكرة؟ أيا دهر قل للخلّان: إنّ السيد المسيح قال: ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه؟ ماذا ينفع الإنسان إذا دنّست الأقدام الهمجية بنعالها الإمبريالية المجرمة المصنوعة بأيادي القراصنة واللصوص وسماسرة الغدر والاستكبار الشرف والعرض والكرامة.
أيا دهر قل للخلّان هل ترضون أن ينعم هؤلاء اللصوص والقراصنة والسماسرة بالرخاء والهناء جراء سرقتهم مدّخرات العمّال والفلاحين والفقراء والكادحين ونهبهم جنى عرق الجبين؟ فيا دهر قل للخلاّن: تذكّروا يا سادة: ما أُخِذ بالقوة لا يُسترَد إلا بالقوة».
يا أبناء الطائفة العربية، يا أحفاد صلاح الدين الأيوبي التكريتي، هل باتت دمشق عدوّة؟ أنسيتم قول السيدة الجليلة فيروز في إحدى أروع أغنياتها: «إن ما سهرنا في بيروت منسهر بالشام».
لمصلحة من تشويه عرى الصداقة والأخوّة بين الشعبين الشقيقين اللذين هما بمثابة شعب واحد في بلدين مستقلين؟
هل منطقي مناصبة الشام العداء وتقديم هدية ثمينة للعدو الصهيوني على طبقٍ من ذهب تحقّق له مكسباً سياسيّاً بعد عجزه عن تحقيق ذلك المكسب عسكرياً؟ استفيقوا من سباتكم يا سادة، وانطقوها عالية مدوية: «لن نعبر إلى الشام إلا بواسطة هويتنا العربية اللبنانية». وللذين تراودهم أحلام هدامة في المستقبل أقول لهم: بين الشعب الواحد في وطن النبي جبران وعاصمة الأمويين، لن يكون هناك لا سفارات ولا فيزا. اطمئنوا، فالعبور «ترانزيت»، والطريق سالكة آمنة ولا أسلاك شائكة لا على الحدود الواحدة ولا في النفوس الطيبة».