وسيم وهبي *طرح موضوع عودة بعض الوزراء المستقيلين إلى ممارسة مهامهم الوزارية، بعض الإشكاليات القانونية والدستورية، على اعتبار أن الوزير المستقيل لا يمكنه أن يمارس مهامه بعد تقديم استقالته. وكان الوزراء الشيعة الخمسة قد استقالوا من الحكومة اللبنانيّة بتاريخ 11 تشرين الثاني 2006، وحذا حذوهم الوزير يعقوب الصراف بعد ثلاثة أيام.

كان أول العائدين إلى وزارته الوزير محمد خليفة، ثم تبعه الوزير فوزي صلوخ، ثم أخيراً بدأ الوزير طراد حمادة بممارسة مهامه في وزارة العمل. والسؤال المطروح هنا: هل يحق لوزير تقدّم باستقالته وانقطع فترة عن ممارسة مهامه في الوزارة، أن يعود إلى ممارسة هذه المهام؟ وهل يحق للوزير بالوكالة أن يمارس صلاحيات الوزير المستقيل طيلة فترة الانقطاع؟ يمكن الردّ على هذه الأسئلة من خلال البحث في النقاط الآتية:
ـــ متى تصبح استقالة الوزير نافذة؟ لم ينصّ الدستور اللبناني على شروط واضحة لبدء نفاذ استقالة الوزير، ولا على الإجراءات التي يجب اتّباعها عند تقديمه الاستقالة. وكلّ ما ورد في الدستور في هذا الموضوع، هو الفقرة الثالثة من المادّة 53 التي تنصّ على أن رئيس الجمهورية يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تأليف الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم. وبالتالي، فإنّ أحكام استقالة الوزير تحكمها الأعراف والمبادئ العامة القانونية والدستورية. وهي تتدرج من حين تقديم استقالته الخطية لغاية صدور مرسوم قبول الاستقالة وتسليم الوزير الجديد المعين مكانه. وهنا يجب التفريق بين مفاعيل قرار الاستقالة ومفاعيل صدور مرسوم قبولها. فقرار الاستقالة له مفعول إنشائي لحقّ الاستقالة، بمعنى أنّه يؤسّس قانوناً لمرسوم الاستقالة. أمّا مرسوم قبول الاستقالة، فيكون له مفعول إعلاني للاستقالة، بمعنى أنّ الاستقالة تصبح نافذة منذ صدور هذا المرسوم.
ومنذ تقديم الوزير استقالته لغاية صدور مرسوم قبولها، يختلف تصنيف المهام التي يمارسها، وهنا يجب التمييز بين وظيفتي الوزير السياسية والإدارية. إذ إنّ الاستقالة غالباً ما يكون سببها سياسياً، وبالتالي فإنّه منذ تقديم الوزير استقالته، يمتنع عن القيام بمهامه السياسية كحضور جلسات مجلس الوزراء وحضور جلسات مجلس النوّاب مع الحكومة وتمثيل لبنان في الخارج. أمّا مهامه الإدارية، فإنّه يكمل ممارستها بشكل عادي لحين صدور مرسوم الاستقالة.
أمّا بعد صدور مرسوم قبول الاستقالة، فإنّ الوزير لا يمارس مهامه إلا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال، وهذا ما نصّت عليه الفقرة الثانية من المادة 64 من الدستور، إذ جاء فيها «... ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال». وما ينطبق على الحكومة ينطبق على جميع الوزراء في هذه المسألة.
وما يعزز هذا الرأي أن مرحلة تصريف الأعمال لا تبدأ إلا بعد استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، واعتبار الحكومة مستقيلة يحصل بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية بناءً على الفقرة 5 من المادة 53 من الدستور. ونصّت هذه المادة على أنه «(رئيس الجمهورية) يصدر منفرداً
المراسيم بقبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة».
وخلاصة القول إنّ مرحلة تصريف الأعمال لا تبدأ إلا بعد صدور مرسوم استقالة الحكومة أو أي وزير فيها، وقبل هذا الصدور، لا يمكن حصر الصلاحيات بتصريف الأعمال. وبالتالي فإنّ ممارسة الوزراء مهامهم تبقى جائزة بعد تقديمهم الاستقالة وقبل صدور مرسوم قبولها.
ـــ قيام الوزير بالوكالة بمهام الوزير المستقيل: نعالج هذه النقطة بصرف النظر عن رأينا بشرعية الحكومة ودستوريتها وميثاقيتها، ولكن سنعتبر كما لو أن وزيراً واحداً قد استقال، فهل يمكن للوزير بالوكالة أن يمارس صلاحيات وزير لم يصدر مرسوم قبول استقالته؟
ليس في الدستور أحكام صريحة تنصّ على الوكالة، بل نجد في اجتهاد مجلس شورى الدولة تحديداً لشروط هذه الوكالة (قرار رقم 291 تاريخ 18/1/1996). فقد جاء في هذا القرار أن «الوزير الوكيل يتمتع بكل الصلاحيات المتعلقة بالوظيفة، غير أنه يجب أن تكون الوكالة لمدة قصيرة. إنّ بدء تنفيذ الوكالة يفترض بصورة أساسية عائقاً ما لسلطة الأصيل من الممارسة. وإنّ العائق الذي يمنع ممارسة الصلاحيات من قبل الأصيل هو كل سبب يجعله في استحالة من هذه الممارسة مؤقتاً أو نهائياً».
وبالتالي فإن شروط الوكالة هي الآتية: 1ــ أن يكون العائق الذي يحول دون ممارسة الوزير مهامه مؤقتاً، كالسفر والمرض، ولا يمكن أن يكون العائق الاستقالة، لأنه ورد في قرار الشورى المذكور أن «الوكالة تنتهي حكماً عندما يعاود الوزير الأصيل إدارة شؤون وزارته»، أي عندما تزول الظروف التي أدت به إلى عدم الممارسة، وفي هذه الحال لا موجب لإصدار مرسوم لإعادة صلاحيات الأصيل أو لوضع حد للوكالة». وبالتالي، فإنّه لا يمكن عملياً للوزير المستقيل أن يعاود إدارة شؤون وزارته، لأنّ
صدور مرسوم قبول استقالته يضع حدّاً نهائياً لمهامه.
2ــ يجب أن تكون الوكالة لمدّة قصيرة، ولا يمكن أن تمتدّ لأشهر أو لسنين كما حصل مع بعض الوزراء بالوكالة الذين لا يزالون يمارسون مهامهم بالوكالة منذ 11 تشرين الثاني 2006. فإذا كان مرض الوزير مثلاً سيقعده فترة طويلة، فعلى السلطة السياسية أن تبادر إلى تعيين خلف له، لأن الوزير بالوكالة هو وزير أصيل في وزارة أخرى. أمّا إذا كانت الاستقالة نهائية فيجب إصدار مرسوم قبولها وتعيين وزارء بدلاء للمستقيلين.
يمكن في خلاصة هذا البحث استنتاج ما يلي: 1ــ بعد تقديم الوزير استقالته، يمكنه أن يمارس صلاحياته الإدارية بشكل عادي إلى أن يصدر مرسوم قبول استقالته، بعد ذلك يمارس صلاحياته بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال إلى أن يسلّم الوزير الجديد.
2ــ بين الفترة الفاصلة بين تقديم الاستقالة وصدور مرسوم قبولها، لا يمكن للوزير بالوكالة ممارسة صلاحيات الوزير الأصيل، أضف إلى ذلك أن الاستقالة لا يمكن أن تكون عائقاً لممارسة الوزير الأصيل صلاحياته، إذ يجدر بالسلطة السياسية المبادرة فوراً لتعيين بديل له.
3ــ في معرض إجراء رقابته على شرعية الأعمال الصادرة عن الوزير بالوكالة، يعود لمجلس شورى الدولة حقّ التأكّد من واقع غياب الوزير الأصيل. وبالتالي يمكن لمجلس الشورى أن يتحقّق من توافر شروط الوكالة ومراقبة شرعية الأعمال التي صدرت عن الوزير الوكيل.
إنّ البحث في هذا الموضوع لا يعني إسباغ الصفة الدستورية والميثاقية على الحكومة، فهذا موضوع آخر أُشبع درساً وبحثاً وتحليلاً، وقد أتت هذه الدراسة من أجل معالجة حالة استقالة الوزير وبدء نفاذها بشكل عام.
* كاتب لبناني