عادل ضاهر يفكّ رموز «معرفة الخالق»: لا مقدّس بعد اليوم
نظام مارديني
يمثّل هذا الكتاب «الفلسفة والمسألة الدينية» للدكتور عادل ضاهر، الجزء الثاني من مشروعه الفلسفي الواسع والكبير الذي بدأه بـ«الأخلاق والعقل»، وهو هنا يتصدى للأسئلة المهمة والمثارة بشأن المفهومات والاعتقادات الأساسية المستمدة من «التقليد الإبراهيمي»، إذ حاول ضاهر جاهداً تحرير «المحظور» في البحث في قضايا الدين على مستوى فلسفي، وإخضاع «المقدس وتصور البشر للمقدس» للنقاش والتحليل والتقويم. ويركز ضاهر على الأثر الذي تركته الفلسفة الوضعية، ومن بعدها فلسفة لودفيك فتجنشتين التحليلية على الفلسفة الأنكلو ـــ أميركية، عامة، والذي انسحب، بطبيعة الحال، على فلسفة الدين، التي طغت عليها أسئلة تدور حول مشكلة المعنى في الدين، وطبيعة اللغة الدينية، و«منطق» الخطاب الديني.
غير أنّ السؤال الأساسي، من منظور الفلسفة الوضعية المنطقية، ليس ما إذا كان الله موجوداً أو غير موجود بل ما إذا كانت عبارة «الله موجود» ذات معنى. أي تعبّر عن قضية أصيلة، لا قضية زائفة.
ولكن مشكلة الوضعية لا تكمن في إيجاد الصيغة المناسبة لمبدأ التحقق، بقدر ما تكمن في نظريته في المعنى، باعتبارها نظرية عامة. وهنا خالف ضاهر المنطق الوضعي في ما إذا كانت العبارات الدينية ذات معنى، مقترباً بذلك من وجهة فتجنشتين المتأخرة من أن المعنى دالة للاستعمال وأنّ عبارات مثل «الله موجود» و«الله حكيم» و«الله يحاسب ويعاقب» هي عبارات لها استعمالاتها اللغوية المنتظمة في سياق الخطاب الديني، وهي لذلك لا يمكن أن تكون خالية من المعنى المعرفي.
ومن المعضلات، نظرية توما الأكويني في «الحمل التشكيكي». أي أن نفهم المحمولات التي نحملها على الله على نحو تشكيكي، ثم المحمولات المعاصرة التي استهدفت تعديل نظرية الأكويني بقصد تجنب الصعوبات التي واجهتها. ومن هذه المحاولات، مساهمة جيلسون وماسكال وكويلسون وفريه وروس. غير أنّ هذه المحاولات لم تنجح في إنقاذ هذه النظرية، وبالتالي في تجنب معضلة «المؤلهة» في نظرية الحمل التشكيكي، ولهذا السبب بالذات، فإن الحمل التشكيكي غير متاح على مستوى الخطاب الديني، ما دام التعالي الإلهي يستوجب تجريد المحمولات المعنية على الله من كل الشروط التجريبية المصاحبة ضرورة لحملها. وثمة سؤال مختلف عن الأسئلة الأخرى التي عالجها ضاهر في الأقسام الأربعة الأولى من كتابه، ألا وهو: هل للاعتقاد بوجود الله أساس عقلي؟
الموقف الأول (الإيماني)، يرى أنّ معرفة الله غير ممكنة إلا باعتبارها معرفة شخصية مباشرة، وهي، لهذا السبب بالذات، غير متاحة إلا للذين يختار الله أن يكشف عن ذاته لهم، أي الأنبياء والرسل. الموقف الثاني (العقلي)، وينقسم إلى مواقف فرعية عدة تندرج تحت هذا الموقف العام، ويمكن التمييز بينها. ومنها الموقف الكاثوليكي الذي يؤكد قدرة العقل على إيصالنا إلى معرفة وجود الله، ويُعدّ التومائي كوبليستون ممثلاً لهذا الموقف.
ثمة موقف آخر، وهو القائل إن الأساس العقلي للاعتقاد بوجود الله لا يمكن أن يرقى إلى مستوى البرهان اليقيني. إن فلاسفة مثل يونج وبلنستنجا وسوينبرن يعتقدون أن هناك اعتبارات عقلية من النوع البعدي، لا القبلي، تجعل الاعتقاد بوجود الله اعتقاداً معقولاً أكثر من الاعتقاد بعدم وجوده. إلا أن هذه الاعتبارات، في اعتقادهم، لا توصلنا إلى يقين تام، إلا أن موقفاً متفرعاً من الموقف العقلي يظهر جلياً عند هانز كينج الذي اختطّ لنفسه طريقاً وسطاً بين كارل بارث وفاتيكان 1، بين اللاهوت الديالكتيكي واللاهوت الطبيعي. وبنظره أن وجود الله ينبغي التحقق منه وليس فقط إثباته على طريقة بارث. ولكن التركيز هنا هو على التحقق لا على البرهان، كما هي الحال في اللاهوت الطبيعي.
* كاتب سوري


العنوان الأصلي
الفلسفة
والمسألة الدينيّة

الكاتب
عادل ضاهر

الناشر
دار نلسن