المعلّم الجيّد هو الذي يدرّب المتعلّم على أن يستغني عنهإيلي نجم
إذا سلّمنا بأنّ التعليم أساسه قيام المعلّم بتدريب المتعلّم على اكتساب المعارف والكفايات والمهارات اكتساباً ذاتيّاً، فهل يحسن أن نضع بتصرّف المعلّم بعض المفاهيم الأساسيّة ليقوم بهذا العمل على أفضل وجه ممكن؟ وهل يغدو التعليم وقتذاك علماً له أغراضه وطرائقه وأصوله أم يبقى، كما كان إلى اليوم، فنّاً يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشخصيّة المعلّم الذاتيّة وأسلوبه؟
لا شكّ أنّ استخدام المعلّم المفاهيم التي وضعها في متناوله علماء التربية في الغرب يحمل ولا بدّ توقيع المعلّم وبصماته. من هنا التأكيد أنّ التعليم يبقى فنّاً بامتياز. إلى ذلك، تقول المؤلِّفة إنّ التعليم هو عمليّة تهدف إلى تعديل سلوك المتعلّم بغية تسهيل اندماجه في المجتمع الذي ينوي العيش فيه. لكن ماذا يعني أن نعلّم؟
أن نعلّم يعني أن ننقل العلم إلى المتعلّم. أمّا العلم، فهو مجموع العلامات التي وضعتها مجموعة بشريّة معيّنة للأشياء والأفكار وعليها، بحيث تحيل تلك العلامات على هذه الأشياء والأفكار وتحلّ محلّها وغالباً ما تحول دونها، بحسب الفيلسوف هوسّرل.
وفي اليونانيّة، ثمّة مفردة «ماتيسيس» وتعني ما بوسع المعلّم تعليمه والمتعلّم تعلّمه. ذلك لأنّ ما بوسع المعلّم تعليمه يقابل ما بوسع المتعلّم تعلّمه، وهو ما عُرِفَ بالعلامات. ويحرص المعلّم على أن يأخذ المتعلّم علماً بهذه العلامات وفقًا لاستراتيجيّات تفسح في المجال أمام حَراك الجسد، ومن ضمنه عمل العقل. وعليه، فقد باتَ على المعلّم أن يغيب ويمّحي، أي أن يترك المتعلّم وشأنه، فيعود هذا الأخير إلى ذاته (بعد أن يكون قد تنكّر لها سالكاً الطريق التي افتتحها المعلّم ومعتمداً طريقته) ويستعيد في قراره وبجهده ما يقابل هذه العلامات ويناظرها. وللمفكّر نيتشيه قولٌ مفاده إنّنا لا نكافئ المعلّم حين نتقيّد بآرائه بحيث نستمرّ مرتبطين به وتابعين له. وفي صدد هذا الأمر، يرى الكاتب أندريه جيد أنّ المعلّم الجيّد هو الذي يدرّب المتعلّم على أن يستغني عنه، بحيث يغدو التعليم تعلّمًا، ولا سيّما أنّ مجالات المعرفة وصنوفها تتراكم وتتفرّع على نحوٍ يحتّم علينا فيه أن نعلّم أولادنا ما لا نعلمه بعد، على ما ذهبت إليه عالِمة الاجتماع مارغريت ميد.
على صعيد آخر، تقول المؤلِّفة إنّ بعض المعلّمين لا يأبهون لما استجدّ ويستجدّ في علوم التربية من مفاهيم وتشكيلات. بل إنّ بعضهم الآخر يتصرّف كما لو كان الأمر لا يعنيه البتّة. وحجّة هؤلاء أنّ الشهادات الجامعيّة العالية التي في حوزتهم والتعليم الذي مارسوه واختبروه ردحاً من الزمن، كلّ ذلك أعفاهم من نقمة الاطّلاع على الأبحاث النظريّة والأشغال الميدانيّة التي يقوم بها علماء التربية في الغرب.
من المفيد بدايةً تفنيد الادّعاء الدوغمائيّ القائل إن الطريقة التي يعلّم بموجبها أحدنا هي أفضل الممكن. وعليه، فإنّه ينبغي إعادة النظر في ما نقوم به من أفعال تعليميّة في ضوء الاختبارات الإنسانيّة المختلفة وإعمال العقل فيها من دون القصر على اختبار واحد منها. فالمهمّ أن نتفاعل مع إنجازات الغرب العديدة والمتنوّعة لنهضمها ونحوّلها على نحو نخدم فيه أغراض الحياة وغاياتها. وقد قيلَ قديماً إنّنا نحرص على ذواتنا بقَدْر أقلّ حين لا نحرص إلّا على ذواتنا.
* كاتب لبناني


العنوان الأصلي
Dictionnaire de Didactique
Concepts-clés à l’usage des enseignants
الكاتب
نورما عبّود زكريّا
الناشر
منشورات زكريّا