محمد بنعزيز *عرف المغرب تفكيك خلية إرهابية اشتهرت باسم عبد القادر بلعيرج، وقد اعتقل هذا الأخير وحوالى 38 شخصاً آخرين بدءاً من 18 شباط/ فبراير الفائت، وترافق هذا الاعتقال مع ضبط أسلحة. جرت العادة في المغرب على تفكيك خلايا بين فينة أخرى. لكن الجديد هذه المرة هو اعتقال قيادات حزبية إسلامية معتدلة، مثل المصطفى المعتصم والأمين الركالة من حزب «البديل الحضاري» ومحمد المرواني من «حزب الأمة»، إضافة إلى معتقل من حزب «العدالة والتنمية» المغربي وآخر من حزب «اليسار الاشتراكي الموحد»، ثم مراسل «قناة المنار» في المغرب عبد الحفيظ السريتي، وقد اتهم هؤلاء بحضور تأسيس الخلية عام 1992 وإدخال أسلحة إلى المغرب، إضافة إلى عضويتهم في تنظيم «الاختيار الإسلامي» الذي تأسس سنة 1981 بالرباط.
وحسب وزير الداخلية المغربي، فبلعيرج إرهابي خارق بيّض أموالاً، وكان يخطط لاغتيال يهود وشخصيات مغربية، وله علاقة مع القاعدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال وحزبين إسلاميين مغربيين معتدلين، ودرّب مقاتلين في مراكز حزب الله في 2002. ومن الخلية انتقل الوزير إلى المطالبة بتطوير قانون الإرهاب. وقد نوّه حزب التقدم والاشتراكية بأجهزة الأمن التي تقوم بواجبها، وطالب بمناهضة التيارات الظلامية. هذا ما روته الصحافة الموالية للحكومة. وبناءً على هذه الرواية حلّ الوزير الأول المغربي حزب «البديل الحضاري» يوم 20 شباط/فبراير بمرسوم، بناءً على الفصل 57 من قانون الأحزاب.
ضداً على الرواية الحكومية، تروج رواية مشكِّكة، نقلاً عن الجمعيات الحقوقية والصحافة المستقلة. فقد قال المحامي عبد الرحمن بنعمرو، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن الوزير الأول تسرّع في حل حزب البديل الحضاري. ثم إنه بعد شهر على التحقيقات، لم يحصل محامو المعتقلين على محاضر الشرطة القضائية للاطلاع على الاتهامات الموجهة إلى موكليهم. بينما تلقت الصحافة المستقلة رواية الحكومة بحذر ووجهت لها ملاحظات مزعجة، فالأسلحة مخبأة في شمال المغرب منذ 1992، والأمين العام لحزب البديل الحضاري قطع صلته بالماضي ومعروف باعتداله، وهو ينسق مع بعض أحزاب اليسار. ومن ثم تساءلت تلك الصحافة عن أهداف حملة الحكومة ودوافعها في هذه اللحظة. وقد أغضب ذلك وزير الداخلية، فحذّر من التشكيك في روايته، وأضاف أن تفكيك الخلية الإرهابية ليس عملية ملفقة لحزب العدالة والتنمية في أفق الانتخابات الجماعية 2009. للإشارة، حصل هذا الحزب على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات البرلمانية في 7/9/2007.
وقد تعقدت مهمة الرواة حين دخلت الرواية البلجيكية على الخط. فحسب الصحافة البلجيكية فإن بلعيرج مُخبر من ذهب، مكّن الأمن البلجيكي من منع حدوث تفجيرات في أوروبا، وساعد على التسلل إلى جماعات إسلامية مشتبه فيها، والتقى قادة القاعدة في أفغانستان. وقد حماه البلجيكيون كي لا يعتقله الأمريكيون، وهو يحمل الجنسية البلجيكية منذ عام 2000. وهنا أغنى وزير الداخلية المغربي روايته بالقول إن بعليرج مجرم قتل ستة أشخاص في بلجيكا وشارك في السطو على بنك وحصل على 17مليون يورو.
هذا عرض لحرب الروايات الدائرة حالياً. لنفحص الآن تداعياتها: لنفترض أن الرواية الحكومية صحيحة، فهذا معناه أن ما ينتجه المغرب من الإرهابيين أكثر مما ينتجه من القمح والذرة! لذا سيحتاج النموذج المغربي إلى أن يراجع نفسه ويعرف حدوده، لأنه يجري تفكيك خلية في كل فصل، مع أنه في المرات السابقة اعتُقل شبان، وكان الاعتقال يترافق مع تبرير مفاده أن هؤلاء الشبان ضُلِّلوا، أما المعتقلون الحاليون فتجاوزوا سن الخمسين، وهذه خلية ذات جذع إرهابي وأغصان سياسية. وقد ذُهل المغاربة بسبب اعتقال قيادات إسلامية معتدلة، هل هذا معقول؟ إذا كانت تلك القيادات متورطة، فهذا ليس إرهاباً، لأن الإرهاب يقوم على السرية والتخفي وتغيير الأسماء والأماكن والصمت... أما عندما تتورط قيادات حزبية، فهذا انقلاب. ثم كيف أمكن أولئك المعتقلين أن يناضلوا مع اليسار ويطالبوا بالديموقراطية، ثم يتضح أنهم يعرفون بوجود أسلحة ويصمتون؟ هل يُعقل ألا يكون هناك إسلاميون معتدلون أصلاً؟ ألا يؤسلم رجب طيب أردوغان الحياة العامة في تركيا الآن؟
لنقطع النهر إلى الضفة الأخرى: ماذا لو كانت الرواية الحكومية ملفقة لتحقيق أجندة محلية أو إقليمية؟
* أولاً الأجندة المحلية، بغرض ضرب أي تحالف بين اليسار والإسلاميين المعتدلين، وتخويف هؤلاء قبل انتخابات 2009، ليكرروا تجربة انتخابات أيلول/سبتمبر 2002 عندما رشحوا عدداً قليلاً من أنصارهم لإرضاء الحكومة. مُعطىً آخر على هذه الأجندة هو إعادة تقطيع الدوائر الانتخابية، وإضافة دوائر جديدة، كما يحصل في الدار البيضاء. وبالموازاة مع هذا، تجري حملة اعتقالات مكثفة في صفوف أتباع جماعة العدل والإحسان المحظورة، بمعنى أن التضييق يشمل الإسلاميين الشرعيين والممنوعين، وقد لا يكون هذا كافياً من وجهة نظر الحكومة، لأن الرأي العام لا يخشى الإسلاميين إلا إذا استخدموا العنف، لذا لا بد من تفكيك «خلية مسلحة». وهذا مفيد لتستعيد الحكومة المغربية المبادرة بعدما فنّد الغلاء وعودها بالرخاء.
* ثانياً أجندة إقليمية تخدم أمريكا، وذلك بتكثير ضحايا حزب الله لمساعدة الأميركيين على إنشاء حلف عربي ضد الحزب وإيران، فيفهم الجميع أن حكومة فؤاد السنيورة ليست الضحية الوحيدة. وللإشارة، فقد فكِّكَت خلية سابقة باسم أنصار المهدي، والآن جاء دور أنصار حسن نصر الله.
بغضِّ النظر عن الرواية الحكومية والرواية المشككة، أعتقد أن بلعيرج عميل مزدوج: هو مخبر لحساب بلجيكا التي جندته لاختراق الإسلاميين، وهو مجاهد لحسابه الخاص. وبناءً على إسلاميته، أفترض أنه تعامل مع المعتصم وتحدث إليه. وقد أقر المعتصم بمعرفته ببلعيرج، وقال إن هذه العلاقة انقطعت منذ 1995. وقد استغلت الدولة هذه العلاقة لحل حزب البديل الحضاري.
المعطى الآخر الذي يُعقِّد وضع الحزب المحلول أن المعتصم اختلى بزعيم حزب الله في بيروت، حسب شاهد مغربي، ويبدو أن هذه تهمة بحد ذاتها! الأخطر أن أحمد حرزني، رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان صرح على القناة المغربية الأولى ليلة 11 آذار /مارس أن المصطفى المعتصم سبق أن أخبره بعلمه بوجود أسلحة مخبأة ولا يعرف ما يفعل. وقد قال بلعيرج للقاضي إن الأسلحة كانت موجهة للجزائر.
بناءً على ما سبق، أفترض أن الأمين العام لحزب البديل الحضاري ليس صاحب «بديل إرهابي»: ربما علم بوجود أسلحة ولم يبلّغ، لأنه لو بلّغ لخان إخوته، فوقع بين خيارين مرّين، فصمت. والسؤال: إلى أي حد يمكن الإسلاميين أن ينقلوا ولاءهم من الجماعة إلى الدولة؟
* كاتب مغربي