سامي حسن
بالرغم من التحشيد الطائفي البغيض الذي يمارسه العديد من القوى السياسية في لبنان، وبالرغم من مخاوف التفجر الطائفي التي يبديها السياسيون اللبنانيون والعديد من المحلّلين، فإن عوامل عديدة ومؤشرات حقيقية وواقعية تدفعنا إلى القول إن العدّ العكسي لتفكك النظام السياسي الطائفي في لبنان قد بدأ.
أولاً، إن التحالفات والانقسامات المتعددة والمتناقضة بين الطوائف وضمنها قد كشفت حقائق عديدة للبنانيين. فلم يعد بالإمكان اليوم إقناع المواطن اللبناني الذي ينتمي ـــــ بإرادته أو رغماً عنه ـــــ إلى طائفة معينة بأن تحالف 14 آذار، الذي يضم قوى من جميع الطوائف، ليس تحالفاً سياسياً. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تحالف 8 آذار الذي يضم أيضاً قوى من جميع الطوائف. من يعبّر عن المسيحيين في لبنان؟ الكتائب والقوات أم التيار الوطني الحر والمردة..؟ من يعبّر عن السنّة؟ هل تيار المستقبل أم الجماعة الإسلامية أم...؟ وهل الحزب التقدمي هو ممثل الدروز أم الحزب الديموقراطي أم...؟ وهل حزب الله هو المعبّر عن مصالح الشيعة أم حركة أمل..؟
إن لسان حال المواطن اللبناني اليوم ربما يقول: لماذا كل هذا الكذب والنفاق؟ لماذا لا تعلن هذه القوى عن نفسها صراحة كقوى سياسية لكي يتمكّن من تحديد موقفه منها على ضوء برامجها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟
ثانياً: العلاقة بين القوى السياسية الطائفية والمرجعيات الدينية:
إن دخول المؤسسات الدينية للطوائف على خط السياسة شكل سلاحاً ذا حدّين للفكر الطائفي، فمن جانب لعبت هذه المؤسسات من خلال دعمها وتبنّيها لقوى سياسية طائفية دوراً أساسياً في تقوية هذه القوى وتكريس الطائفية في المجتمع اللبناني، والعكس صحيح حيث إن اعتبار هذه القوى تلك المؤسسات مرجعيات لها عزّز من مكانتها في المجتمع. لكن توتر العلاقة بين القوى السياسية والمرجعيات الطائفية ووصولها حد التعارض أدى إلى انكشاف حقيقة أن هذه القوى تستثمر الدين خدمة لمصالحها، وأن تعارض مصالحها يجعلها تضرب بالطائفة ومرجعياتها عرض الحائط. كما أن التبعية الواضحة للعديد من المرجعيات الطائفية لقوى سياسية بعينها ووضع نفسها تحت تصرفها وخدمة لبرامجها وسياساتها، أضعفت من مكانة هذه المرجعيات بنظر اللبنانيين.
ثالثاً، إن بنية الجيش اللبناني المتعدّد الطوائف، وأداءه العابر والمتجاوز للطوائف، والذي يمنح اللبنانيين اليوم الإحساس بالأمان، هو نموذج محترم ومثير للإعجاب بالنسبة إلى كل اللبنانيين، الأمر الذي يجعل من تعميم هذا النموذج على كل لبنان مطلباً منطقياً وواقعياً وجذاباً بالنسبة إلى غالبية اللبنانيين.
رابعاً، لعبت القوى السياسية الوطنية ولا سيما اليسارية (الحزب الشيوعي اللبناني) والمثقفون العلمانيون والديموقراطيون دوراً مهماً في نقد وتعرية النظام السياسي الطائفي في لبنان وتوعية اللبنانيين بحقيقة تناقض مصالحهم مع استمرار هذا النظام العاجز تماماً عن حل مشاكلهم. ومن المتوقع أن تلعب هذه القوى اليوم وفي المستقبل دوراً مهماً في المساهمة بتفكيك هذا النظام.