خليل حسين *
منذ أن أقدمت طهران على رفع الأختام عن ثلاثة مراكز للأبحاث النووية واستئناف تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية، أثيرت جملة تساؤلات أبرزها المدى الذي يمكن أن تذهب إليه ردود الفعل الأميركية والأوروبية، هل ستكتفي بمجلس الأمن بحثاً عن عقوبات متدرجة، أم تذهب إلى الخيار العسكري لضرب المفاعلات الإيرانية وسط أنباء عن نقل أسراب جوية أميركية إلى قواعد في المنطقة وتهديدات إسرائيلية بهجوم جوي؟
ردّت إيران على التصعيد الغربي بأنها لم تنتهك أي قانون دولي يبرر معاقبتها، بل إن معاهدة الحد من الانتشار النووي تعطيها حق تخصيب اليورانيوم وامتلاك التكنولوجيات اللازمة في هذا الخصوص ما دام التخصيب يهدف إلى الاستخدامات السلمية وتوليد الطاقة. وبين التمسك الإيراني بالحق في التخصيب لأسباب سلمية، واعتماد الغرب على النيات لمعاقبة إيران، تبرز سيناريوات عمل عسكري قد تقدم عليه الولايات المتحدة، إلا أن دون ذلك صعوبات جمة أبرزها:
ــ ثمة صعوبة بالغة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية بسبب توزعها في مناطق كثيرة وفي أماكن سكنية (163 مركزاً للأبحاث).
ــ قدرة إيران على استهداف القطع البحرية الأميركية في منطقة الخليج بوسائل عسكرية شتى، ما يؤدي إلى وقف الملاحة في خليج هرمز وما يشكله من عمق حيوي للإمدادات النفطية للغرب.
ــ تملك إيران قدرة ردع عسكرية تستطيع بموجبها أن تضرب أهدافاً أميركية في منطقة الخليج والعراق وحتى تل أبيب، بعدما نجحت في تطوير صواريخ أبرزها «شهاب 3» الذي يحمل ثلاثة رؤوس حربية دفعة واحدة ما يمكّنه من تضليل الدفاعات الأرضية والصواريخ المضادة، ويصل مداه إلى 1700 كيلومتر، وهو قادر على أن يحمل رؤوساً نووية يمكنها بلوغ الأراضي الإسرائيلية وقواعد أميركية في الشرق الأوسط.
ــ ثمة حضور إيراني استخباري ومعنوي وعسكري ضخم في العراق في ظل الاحتلال الأميركي باعتراف الأطراف كافة، ما يمكّن طهران بسهولة من دعم المقاومة العراقية ضد الولايات المتحدة أو الدخول المباشر إلى العراق وضرب القوات الأميركية.
ــ تدرك إيران أن قوة الولايات المتحدة بدأت تتآكل بفعل الضربات الاستنزافية في العراق وأفغانستان ومناطق أخرى في العالم بما فيه الداخل الأميركي نفسه، وأن ثمة ضغوطاً داخلية أميركية لوقف التدخل في العالم.
ــ إن الخطط العسكرية التي يجري تداولها أميركياً لا ترقى إلى درجة اجتياح الأراضي الإيرانية لصعوبة ذلك، وخصوصاً بعد التجربة العراقية، وفي ضوء حقيقة أن سكان إيران يشكلون ثلاثة أضعاف سكان العراق، وأن لدى الإيرانيين قوة روحية عقائدية ستزيد عنف مقاومتهم وتدفع الجيش العقائدي إلى الاستماتة في الدفاع عن بلاده. ولهذا يجري الحديث عن قصف جوي محدود للمفاعلات الإيرانية. ولكن هذا القصف ستصعب السيطرة عليه من الطرفين، وحتى لو أمكنت السيطرة عليه واقتصر رد الفعل الإيراني على قصف سريع بصواريخ تكتيكية ضد إسرائيل، فإن ذلك سيفتح باباً واسعاً من الصعب تحديد نتائجه على القوات الأميركية في العراق والمنطقة. وثمة طرح آخر هو خيار البديل الإسرائيلي عبر قصف محدود للمفاعلات الإيرانية بهدف احتواء رد الفعل الإيراني وعدم اتساع المواجهة في كل المنطقة، وخصوصاً في ظل إعلان تل أبيب توصّلها بدعم أميركي إلى نظام صاروخي مضاد للصواريخ الإيرانية الثلاثية الأبعاد. ولكن حتى هذا السيناريو الإسرائيلي غير مضمون العواقب لأن رد الفعل الإيراني غير معروف أولاً، وقد يكون أكثر تدميراً وشمولاً مما تتوقع تل أبيب لكونه لن يقتصر على الرد بالصواريخ، ولكنه قد يشعل الشرق الأوسط برمته.
وفي ما يختص بالعقوبات الاقتصادية، تعتمد إيران على النفط الذي يمثّل نحو 85 في المئة من صادراتها، وتمتلك ثاني احتياط نفطي في المنطقة بعد المملكة العربية السعودية، وتنتج زهاء أربعة ملايين برميل يومياً من النفط، وتصدّر 2.4 مليون برميل، تذهب 60 في المئة منها إلى دول آسيا. وتمتلك ثاني أكبر احتياط غازي، فضلاً عن قاعدة صناعية لافتة، وخصوصاً في التصنيع العسكري وصناعة السيارات والبتروكيماويات والسجاد والصناعات اليدوية والمواد المعدنية، وتنتج بعض الحاصلات الزراعية التي تستهلك محلياً إلى جانب التصدير.
وبالنسبة إلى المؤشرات الكلية للاقتصاد الإيراني، فقد بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 4.8 في المئة العام الماضي، في مقابل 6.7 عام 2005، فيما كانت الحكومة تستهدف الوصول إلى معدل 7.3 في المئة. أما ميزان المدفوعات فبلغ فائضه 3.9 بلايين دولار في آذار 2005، وفائض الميزان التجاري 7.7 بلايين دولار، فيما بلغ إجمالي قيمة الصادرات 44.4 بليون دولار. وفي الفترة نفسها تجاوزت الواردات التوقعات، فبلغت 36.6 بليون دولار.
ويعتبر سلاح النفط أساسياً بالنسبة إلى إيران في هذه المعركة، إذ تلوّح طهران بقطع الإمدادات عن الدول المعادية لها، ويتوقع الخبراء أن يصل سعر برميل النفط إلى مئة دولار. وتراهن طهران على مواقف بعض الدول الصديقة التي تستخدم كميات كبيرة من النفط الإيراني ولا تستطيع الاستغناء عنه بسهولة ووقّعت مع بعضها عقوداً طويلة الأجل ببلايين الدولارات مثل الهند والصين.
ويمكن طهران الصمود في وجه أي عقوبات متوقعة إذ تمتلك قاعدة متنوعة للمنتجات الاستهلاكية الأساسية تغنيها عن الاستيراد من الخارج، وتحتفظ بجبهة داخلية متماسكة ومؤمنة بحقها في امتلاك التقنية النووية السلمية ورافضة للضغوط الخارجية. وثمة شكوك قوية في طهران وعواصم عدة في جدية تنفيذ العقوبات في حال فرضها. ويستند هذا الرأي إلى الخبرة السابقة في العقوبات التي فرضتها ولا تزال الحكومة الأميركية على إيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، ولعل أبرز فصولها «قانون داماتو» (1996) الذي يقضي بحرمان الشركات التي تتعاون مع إيران من دخول السوق الأميركية أو الحصول على ضمانات تزيد على 10 ملايين دولار في السنة من بنك الاستيراد والتصدير الأميركي، وحظر الاشتراك في العقود الحكومية أو الاتجار بالسندات التي تصدرها الخزانة الأميركية. وعلى رغم صدور هذا القانون منذ 10 سنوات فإنه لم ينجح في وقف تعاون الشركات الغربية ومنها الأميركية مع إيران في المجال النفطي وغيره.
يظل أن ثمة نقاط قوة وضعف في الاقتصاد الإيراني الذي سيعتمد مدى تأثره بأي عقوبات محتملة على كيفية إدارة المواجهة مع الولايات المتحدة، والمنافذ المتاحة لحكومة طهران للتحرك دولياً، فضلاً عن طبيعة العقوبات نفسها، وهل تشمل النفط أم يستثنى كما حدث مع ليبيا إبان أزمة لوكربي، ما قد يخفف من وطأة أي حصار متوقع؟
* أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية