وليد شرارة *
ازداد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة اطلاق التحذيرات والتعبير العلني عن المخاوف، في أوساط الخبراء الاستراتيجيين والمسؤولين السياسيين الغربيين السابقين، من نتائج العدوان الاميركي على ايران وتداعياته. وقد ارتبط تزايد المخاوف باستمرار عملية الحشد العسكري الاميركي في الخليج عبر ارسال بارجتين حربيتين وغواصات الى هذه المنطقة ونشر أنظمة صاروخية مضادة للصواريخ في عدد من دولها وتصاعد الحملة الاعلامية والسياسية الاميركية على ايران عبر اتهامها بالمسؤولية عن افشال المشروع الاميركي في العراق ودعم مجموعات المقاومة وجماعات العنف الطائفي على حد سواء. وقد لاحظ أكثر من مراقب غربي أن التركيز الاميركي انتقل من القاعدة الى ايران باعتبارها التهديد الأبرز لأمن الولايات المتحدة ومصالحها.
من التحذيرات المذكورة من مغبة عدوان أميركي على ايران، ذلك الصادر عن ثلاثة مسؤولين عسكريين اميركيين سابقين والمنشور بصيغة رسالة في صحيفة «صنداي تايمز» رأى فيه هؤلاء «ان مهاجمة ايران ستكون لها عواقب وخيمة على الأمن في المنطقة وقوات التحالف في العراق وستؤدي الى تفاقم التوتر الاقليمي والعالمي اكثر. لا بد من حل الأزمة الحالية من خلال الدبلوماسية». تحذير آخر صدر عن مجموعة من مراكز الدراسات الاستراتيجية البريطانية اكدت فيه هذه الاخيرة أن الحرب على ايران ستتسبب في كوارث حقيقية على المستويين الاقليمي والعالمي. لكن اهم هذه التحذيرات هو ذلك الذي اطلقه زبغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الاميركي الاسبق، خلال شهادة امام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي يوم الخميس في الأول من الشهر الجاري. لقد رأى بريجنسكي ان الولايات المتحدة تبحث عن ذريعة لتبرير شن عملية عسكرية واسعة النطاق على ايران. وهو ذكر ذريعتين محتملين قد تلجأ لهما ادارة بوش لشرعنة عدوانها. الاولى هي تحميل إيران مسؤولية تدهور الاوضاع في العراق وتصاعد العمليات على قوات الاحتلال، والاقتتال الأهلي. هذه الذريعة تكفي، نظراً لأهمية الملف العراقي بالنسبة للرأي العام الاميركي مع وجود القوات الاميركية في هذا البلد، لشن ضربات جوية مثلاً على أهداف داخل الاراضي الايرانية، رداً على عمليات وقعت داخل العراق، ضمن مخطط يستهدف استدراج إيران إلى الرد لتوسيع دائرة العدوان ضدها وقصف منشآتها النووية. الحجة الثانية، وهي الاخطر، هي وقوع عملية ارهابية داخل الولايات المتحدة تستخدم ذريعة لاتهام ايران بالمسؤولية عنها والرد بشن الحرب عليها. لم يوضح بريجنسكي اذا كانت ايران ستقف وراء مثل هذه العملية او اذا كانت الادارة الاميركية ستسمح بوقوعها او حتى تدفع مجموعة من عملائها للقيام بها. لكنه اوحى بوضوح أن هذه الادارة تحتاج إلى مثل هذه العملية لتسويغ سياستها تجاه طهران. وقال في معرض رده على اسئلة الشيوخ، ان سوابق الادارة في اختلاق الذرائع لتبرير حروبها تدفعه لأن يخشى الأسوأ. وذكر بريجنسكي الحاضرين بمقالة صدرت في «النيويورك تايمز» عن لقاء سري عقد بين بوش وبلير قبل الحرب على العراق بشهرين. خلال هذا اللقاء رأى بوش انه إذا لم تستطع فرق المفتشين التابعة للامم المتحدة أن تجد أثراً لأسلحة دمار شامل في هذا البلد، فعلى الولايات المتحدة وبريطانيا البحث عن ذرائع أخرى لشرعنة عدوانها عليه. وعرض بوش مجموعة من الذرائع «المحتملة» اعتبرها بريجنسكي «مدهشة». اللافت أن وسائل الاعلام الأميركية تجاهلت مداخلة بريجنسكي أمام اللجنة المشار اليها مع انها افردت صفحاتها لمداخلة هنري كيسنجر أمام اللجنة نفسها قبل يوم من مداخلة الأول. أن يحذر رجل بخبرة بريجنسكي، ويتمتع بشبكة علاقاته الوثيقة مع دوائر صنع القرار ومع الاجهزة الامنية والعسكرية، من خطر لجوء الادارة الاميركية الى أساليب من قبيل تنظيم عمليات ارهابية على الاراضي الاميركية لحمل الرأي العام الاميركي على تأييد مغامرة عسكرية ضد ايران دليل على أن هذه الادارة عازمة على المضي قدماً في مثل هذه المغامرة مهما كان الثمن. هذا ما يعنيه ايضاً ارتفاع اصوات مسؤولين سابقين سياسيين وعسكريين اميركيين وعدد كبير من الخبراء الاستراتيجيين للاعتراض على السياسة المعتمدة حالياً حيال «الملف الايراني». لكن تصاعد الانتقادات والتحذيرات قد لا ينعكس على المستوى المؤسساتي، على مستوى الكونغس مثلاً، مما سيسهل مهمة ادارة بوش. فأقطاب الحزب الديموقراطي، ومنهم نانسي بيلوزي وهيلاري كلنتون وجون إدواردز انتهازيون ومؤيدون لاسرائيل إلى درجة كافية لدفعهم لتأييد عملية عسكرية ضد ايران. وبعضهم، ومنهم ادواردز، يساهم مع الادارة في التهويل «بالخطر الايراني». هذا الاخير رأى، خلال مشاركته في مؤتمر هرتزليا أن «ايران اكبر تهديد لأمن اسرائيل والعالم».
القناعة بحتمية الضربة الاميركية لإيران هي التي حفزت المسؤولين الفرنسيين على الدعوة الى التفاوض وعدم التسرع في اللجوء للخيار العسكري. هذا ما يفسر قرار شيراك ارسال مبعوث خاص للحوار مع طهران، وتصريحاته التي يقلل فيها من مخاطر امتلاك ايران للتكنولوجيا النووية وحتى للسلاح النووي. اما وزير الخارجية الفرنسي الاسبق رولان دوما، فهو اكد أن امتلاك ايران للسلاح النووي سيكون عامل توازن في الشرق الاوسط ويوجد ظروفاً مؤاتية لتفاوض جدي حول صراعات المنطقة المزمنة. وحتى نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية المؤيد من غير تحفظ عادة للسياسات الاميركية الاسرائيلية، قال إن الهجوم على ايران لن يكون صائباً في هذه المرحلة. هذه المواقف، حتى لو لم تنجح وحدها في ثني ادارة بوش عن الاقدام على مغامرتها الجديدة، إلا انها قد تساهم، الى جانب مواقف الدول والقوى السياسية الرافضة للحرب، في تعبئة الرأي العام الغربي والعالمي ضد هذه الأخيرة.
* كاتب لبناني