أحمد جابر *
يأتي يوم القدس العالمي في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان في كل عام، وهو الذي أعلنه زعيم الثورة الإيرانية الإمام الخميني هادفاً من ورائه جمع شمل المسلمين على قضية هي الأهم والأسمى التي يجتمعون حولها ولأجلها، لحماية مقدساتها من أعداء الإسلام والإنسانية.
لقد اعتبر هذا اليوم مدخلاً لإعادة اللحمة بين الشعوب الإسلامية جميعاً حول القدس التي تعيش تحت نير الاحتلال الغاصب، الذي عمل جاهداً على تغيير ملامحها التاريخية والحضارية والدينية.
اكتسبت القدس أهمية تاريخية، حضارية، تراثية، دينية، ثقافية وإنسانية، واختصرت فلسطين كلها فيها.
فهي أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول (ص) ومعراجه، مولد المسيح وقيامه، وهي مهد الديانات وأرض الرسل والأنبياء.
تميزت القدس (فلسطين) بموقع استراتيجي عبر التاريخ، جعلها محط صراع الإمبراطوريات القديمة، ومحوراً للصراع بين الدول للسيطرة عليها حاضراً ومستقبلاً.
استولى العدو الصهيوني على 78% من مساحة فلسطين عام 1948 وعلى القسم الغربي من المدينة المقدسة، بحيث استكمل سيطرته عليها بعد حرب 1967.
هدف العدو الى إقامة دولة «إسرائيل الكبرى» التي تمتد «من الفرات الى النيل»، حسب زعمهم. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، عليهم إقامة دولة يهودية في فلسطين عاصمتها القدس، بعد إفراغها من سكانها العرب وإحلال اليهود مكانهم.
قال هرتزل زعيم الحركة الصهيونية العالمية حول القدس: «إذا حصلت يوماً على القدس.. فسوف أزيل ما هو غير مقدس لدى اليهود. وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون». وقد أخذ اليهود بنصيحته. وقاموا بحرق الأقصى عام 1969 ووضعوا الخطط لهدمه، وبدأوا الحفر تحته وعلى أطرافه لإقامة هيكل سليمان على أنقاضه.
عمل الصهاينة على تغيير الطابع التاريخي والحضاري والديني للقدس باعتبارها عاصمتهم الأبدية والموحدة.
فقد أطلق وزير شؤون القدس ناتان شارانسكي الخطة التي تسميها المجموعات المتطرفة «انتزاع الأرض» أو «السرقة المقننة» في 22/6/2004، وهي تهدف الى تطبيق قانون أملاك الغائبين عام 1950، الذي صودر بموجبه مجمل الأراضي العربية التي نزح أصحابها عنها عام 1948.
وصادر العدو أراضي جديدة حول القدس بدواع أمنية لتزيد مساحة الأراضي المصادرة.
صُمّم جدار الفصل العنصري، كي يحقق الحد الأقصى من فصل الفلسطينيين عن أراضيهم. دفعت ممارسة الضغوط وتشديد القيود وزيادة الضرائب والرسوم كثيراً من السكان الفلسطينيين للانتقال الى محيط القدس والقرى المجاورة، لأن الضرائب أقل والحصول على رخص البناء أسهل.
أعلن العدو أنه يريد الإبقاء على نسبة 25% من السكان الفلسطينيين في القدس، فمارس الإرهاب والقمع والعنصرية والعدوانية ضد العرب، إضافة الى مصادرة الأراضي والبيوت والمحال التجارية وفرض الضرائب والرسوم العالية التي أثقلت كاهل العرب لتحقيق هذا الهدف.
اعتمد العدو خطة لعزل منطقة القدس، وذلك بتطويقها بثلاثة أحزمة استيطانية في محيطها الخارجي، ونشر بؤر استيطانية داخل أحيائها الشعبية، وربط بين الأحزمة والبؤر والمستوطنات بطرق وجسور وأنفاق مُنع العرب من استخدامها.
باءت بالفشل جميع المحاولات لحل مشكلة القدس.. وبتّ مستقبلها.
فقد أصر العدو على تأجيل بتّ موضوع القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين الى المرحلة النهائية للمباحثات (التي لن تحصل أبداً). فالعدو لن يقبل بغير سلطته وسيادته على القدس. وسيسمح في أقصى الحالات بالإشراف إدارياً على الأماكن المقدسة من قبل الديانات الثلاث. وربما تنازل شكلاً ليشبع غرور السلطة الفلسطينية باعتبار بعض ضواحي القدس الشرقية في أبو ديس والعيزرية عاصمة للدولة المزعومة.
لقد ساعدت الأوضاع الرسمية العربية والفلسطينية المتردية العدو الصهيوني على التمادي في سياسته العدوانية، مستنداً الى دعم كامل من أميركا والمجتمع الدولي.
إن عوامل الانتصار التي ظهرت معالمها بانتصار المقاومة الإسلامية في لبنان وإجبارها العدو الصهيوني على الاندحار من جنوب لبنان عام 2000، وبإلحاقها الهزيمة به وبمن وراءه إبان عدوان تموز 2006، ومن خلال الخسائر التي يتكبدها الاحتلال الأميركي في العراق، وعدم قدرة العدو الصهيوني على تحطيم إرادة الصمود والقتال لدى الشعب الفلسطيني واستمرار المواجهة معه على الرغم من الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس في قطاع غزة، والفصل بين الضفة والقطاع، كلها عوامل تمنح الأمل وتعطي الثقة بأن المستقبل حتماً سيكون لقوى المقاومة وللشعوب المناضلة..
* باحث في مركز شرق المتوسط
للدراسات والإعلام