علي شهاب *
أسقط معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى كل الإشارات والفرضيات التي يُدرجها الباحثون لاستبعاد احتمال الحرب على إيران، فحوّل عناوين مثل «أمن الخليج والنفط» و«القوات الدولية في جنوب لبنان» إلى سبب رئيسي لتبرير الخيار العسكري.
ولعلّ هذه الدراسة، التي أعدها معهد واشنطن تحت عنوان «ردع آيات الله: إشكاليات تطبيق استراتيجية الحرب الباردة مع إيران»، هي الأكثر وضوحاً في عكسها لرؤية المحافظين الجدد، سواء على مستوى الاستنتاجات التي خرجت بها أو أسماء الباحثين كباتريك كلاوسون ومايكل ايشنستادت.
ولئن كان المعهد المذكور من أشد المتابعين للملف الإيراني بالاستناد إلى فكر روبرت ساتلوف والمجلس الاستشاري بعضوية بول وولفوفيتز ووارن كريستوفر وريتشارد بيرل، فإن الجديد اللافت على صعيد معالجته للأزمة الإيرانية خوضه في تحليل الخلفية الدينية التي تحكم خطوات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي، إلى درجة تصوير الصراع على أنه قد تحول من نفوذ قوى تقليدي بين دولة عظمى وأخرى إقليمية إلى صدام أيديولوجي يروج معهد واشنطن لمقاربته من خلال الربط، بشكل غير مباشر، بين حيازة أسلحة الدمار الشامل كحاجة إيرانية والدفاع بواسطة توازن الردع عن «الإمام الغائب» لدى ظهوره، في إشارة إلى المهدي، الإمام الثاني عشر لدى الشيعة.
وفي هذا السياق، تشير الدراسة إلى أن الخامنئي «أمضى الخمسين سنة الأخيرة من حياته في العمل السياسي» بخلاف ما هو معتاد في الأوساط الدينية في حوزتي مشهد وقم، وبالتالي فإن المرشد «يميل إلى اتخاذ قرارات براغماتية تخضع لقواعد السياسة العالمية».
غير أن دراسة خامنئي الحوزوية في مشهد، «حيث يبرز ارتباط علماء الدين بالإمام المهدي»، بموازاة خبرته السياسية الكبيرة تجعل منه «شخصاً غير متوقع»، بحسب الدراسة الأميركية التي تُكمل في استعراض الفوارق التدريسية بين حوزتي مشهد وقم، في سبيل تحليل شخصية «المرشد الأعلى».
وبالانتقال إلى موقفه من السلاح النووي، يشير معهد واشنطن إلى أن «خامنئي أعلن عام 2003 أن الجمهورية الإسلامية لن تسعى إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل»، لكن ذلك، بحسب الدراسة، قضية فيها نظر، وخاصة أن «باب الاجتهاد لدى الشيعة مفتوح إزاء التطورات» التي تعصف بالحكومة الإسلامية.
وفي هذا الإطار، تلحظ الدراسة الشعار الذي يضعه عناصر الحرس الثوري الإيراني على زيّهم العسكري «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، للإشارة إلى أن إيران قد تلجأ إلى تبرير صناعتها قنبلة نووية بهذه الآية القرآنية.
وتدعم الدراسة هذه النظرية بشرح العقيدة المهدوية ومدى ارتباط خامنئي بـ«الإمام الغائب»، لإثبات أن «الدفاع عن الجمهورية الإسلامية» يُبيح المحظورات.
ومن هذه النقطة تنتقل الدراسة إلى السياسة للتحذير من أن «البرنامج النووي الإيراني يخضع لإدارة جماعة إرهابية»، في إشارة إلى الحرس الثوري، «ما يشكل تحدياً خطيراً أمام الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة».
هذا التحدي يتطلب «مستلزمات استخبارية» إضافية على صعيد «جمع المعلومات وتقويمها»، مع استحضار تجارب تاريخية سابقة، من بينها أزمة الصواريخ الكوبية.
على صعيد آخر، على الأوروبيين اتخاذ جملة من الخطوات لتعزيز الردع ضد إيران، أبرزها:
ـــــ الضغط على طهران عبر التلويح بالمقاطعة التجارية، وخاصة أن العقوبات الاقتصادية أثبتت عدم جدواها حتى الآن، مع الإشارة إلى أن التصعيد الاقتصادي مع إيران يتطلب إيجاد مصدر نفطي بديل للدول الأوروبية التي تستورد جزءاً كبيراً من احتياجاتها من الجمهورية الإسلامية.
ـــــ الاستعداد للدفاع عن تركيا ومضيق هرمز في حال وقوع أي هجوم إيراني. وعلى فرنسا وبريطانيا تحديداً تأكيد التزامهما بأمن الخليج، وإرسال إشارات عن أمن القوات الدولية في جنوب لبنان (باعتبارها خطاً أحمر بنظر الأوروبيين).
ـــــ نشر قوات أوروبية في المنطقة تحت غطاء مناورات عسكرية مشتركة.
بناءً على كل ما تقدم، تستنتج الدراسة أنه:
ـــــ يجب عدم استبعاد الخيار العسكري ضد إيران.
ـــــ ردع إيران هو «تحدٍّ أصعب بكثير من الردع القائم زمن الحرب الباردة (مع الاتحاد السوفياتي)، بسبب طبيعة النظام الإيراني والظروف المحيطة».
ـــــ الأمن الإقليمي المرتبط بإيران «لا يعزز فعالية الردع» المنشود، فالولايات المتحدة وإسرائيل «تترنح في آثار الحروب في العراق ولبنان، ما أضرّ بصورة الردع لديهما في نظر إيران وسوريا».
ـــــ من غير المؤكد أن تشارك أوروبا عسكرياً في أي خطوة إزاء إيران، كذلك ليس من المضمون أن «تصدّق» تركيا والدول الخليجية الضمانات الدولية لقاء تسهيل الردع.
بناءً على كل ما تقدم، يختم المعهد بأن من الصعب إقامة ردع في وجه إيران، مشيراً إلى أن الهدف من هذه الدراسة هو «استشراف المخاطر في حال فشل الدبلوماسية» والانتقال إلى خيار الحرب.
* صحافي لبناني

معدّو الدراسة

أعدّ هذه الدراسة لمعهد واشنطن عدد من الباحثين هم:
باتريك كلاوسون: نائب مدير الأبحاث في معهد واشنطن. أمضى 5 سنوات في تدريس مادة الاستراتيجيا الوطنية في الكلية العسكرية الأميركية. له أكثر من 24 كتاباً، أهمها «الاستعداد لإيران نووية» الصادر عام 2005 عن الكلية الحربية.
مايكل ايشنستادت: مدير مشروع الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد واشنطن. عمل محللاً عسكرياً في القيادة المركزية الوسطى خلال غزو العراق عام 2003.
لويس دان: باحث في معهد واشنطن. شغل سابقاً منصب مساعد مدير وكالة التسلح الأميركية وسفير واشنطن إلى معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
مهدي خلجي: باحث بارز في المعهد، درس لمدة 4 سنوات في حوزة قم الإيرانية، ثم انتقل للعمل في الإذاعة الأميركية الموجهة إلى إيران التي تبث بالفارسية من أوروبا.
جيفري لويس: مدير مشروع الاستراتيجية النووية في معهد «أميركا فاوندايشن». مدير تنفيذي سابق لمشروع الذرة في جامعة هارفرد.
كريم سجاد بور: باحث في معهد «كارنيغي»، عمل سابقاً في «مجموعة إدارة الأزمات الدولية» محللاً للشوؤن الإيرانية.