إيلي أبو جودة
بُعد النظر في العلم السياسي هو الأثاث المتين الذي يُبنى عليه مصير الشعوب والأوطان، وهذا ما نفتقده في لبنان فنعيش التوتر والحرمان على مرور الأزمان. السياسة في بلدنا تصاغ في بيوت الإقطاع الذي طالما أورثنا المصائب أو في زواريب الميليشياويين الذين أتحفونا بتاريخهم الدموي، وللأسف كلهم برعاية طوائف تستثمرهم لمصالحها الخاصة، وتبقى مصلحة الوطن أبعد ما يمكن أن يُفكر فيها يوماً من الأيام.
حقيقة العمل السياسي تنبع من الجغرافيا التي لا ولن تتغير كما مبادئ البعض، ومن هنا ينطلق بناء الأوطان على أسس سليمة، ونحن نشكو من انعدام التفكير السليم انطلاقاً من مبادئ علمية ونرزح تحت آثار الممارسات الخاطئة ذات الأهداف الفئوية والشخصية.
بدراسة بدائية وسريعة لوضعنا ووطننا لبنان نخلص إلى أننا نقع جغرافياً في منطقة ساخنة منذ وجود دولة إسرائيل والسياسة التي ينتهجها الأميركيون تجاه هذه المنطقة وجبهة الممانعة السورية التي تشاركنا الحدود بنسبة كبيرة وتمتلك مفتاح باب الشرق الذي نمر منه والكل يعلم مدى الحاجة إليه.
بحسب هذه الدراسة البسيطة نستطيع تكوين فكرة أساسية أن لبنان لا يمكنه العيش من غير الوفاق مع سوريا. إذاً علينا الانطلاق من هذا المبدأ والعمل بموجبه وتحسين أوضاعنا ومواقعنا مستغلين الظروف الدولية والإقليمية من دون الاسترسال بها لدرجة الذهاب إلى العداء مع سوريا أو المطالبة بتغيير نظامها، فإذا كانت بعض الدول الكبرى ترغب في ذلك فلتذهب وحدها لتحقيقه من دون أن تجعل منا طعماً لمآربها الخاصة ومن ثم تسمح للبعض بالتهامنا، وإذا كان الأميركيون اليوم تحت حكم الجمهوريين يتجهون لشن حرب على سوريا، فغداً الديموقراطيون سيصلحون الوضع ونكون نحن من طعن الخاصرة السورية وأصحاب العداء الذي لا يُنسى.
من هنا ومن موقع الذكاء والإخلاص الأخوي وحفاظاً على الجيرة السليمة، علينا إنجاح انتخاب رئيس جمهورية، وبعدئذ تأليف حكومة قادرة على إنشاء وضع استقلالي وودي مع سوريا يظهر لها بكل وضوح إخلاص اللبنانيين وعدم انجرافهم بالمخطط الأميركي، وفي الوقت نفسه يكون لبنان وطناً مستقلاً على سوريا الاعتراف به بكامل مكوناته واحترام سيادته وعدم التعاطي في شؤونه الخاصة بعد اليوم، وليكن التمثيل الديبلوماسي الوسيلة المتبعة، هذه فرصتنا لنثبت فيها وجودنا المستقل وإذا لم نستغلها اليوم ربما لن تأتي لاحقاً فالحظ وجوده قليل وربما مرة واحد ومن لا يستغله يكن قد أضاع فرصة عمره ووجوده المحترم.