ميلود بن غربي *
كانت توصية الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون في تقريره حول الصحراء الغربية، بدعوة المغرب والبوليساريو إلى التفاوض من دون أي شروط مسبقة للتوصل إلى حل سياسي عادل ودائم مقبول للطرفين، باعثاً فعلياً لإبداء عدة دول غربية رغبتها في استضافة المفاوضات المرتقبة، وخصوصاً أنّ الأمين العام دعا في توصيته أطرافاً أخرى للمشاركة البنّاءة في المفاوضات وفي مقدم تلك الأطراف الجزائر. وقد أتت توصية الأمين العام بعدما كانت المملكة المغربية قد قدمت مبادرتها المتضمنة منح حكم ذاتي للصحراويين.
قامت المبادرة المغربية على فكرة أساسية هي منح حكم ذاتي يمكّن الصحراويين من تدبير شؤونهم بصلاحيات واسعة في إطار السيادة المغربية، وذلك من خلال إنشاء مؤسسات تنفيذية وتشريعية خاصة بإقليم الصحراء الغربية، وقد قُدمت هذه المبادرة بصفة رسمية لمجلس الأمن يوم 11 نيسان 2007. وتزامنت مع عرض المبادرة على مجلس الأمن حملة مكثّفة للترويج لها خاضتها الدبلوماسية المغربية شملت ثلاثين عاصمة في مختلف أنحاء العالم، ما دعا الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصاراً بالبوليساريو إلى تقديم مبادرة بدورها تكرّس مبدأ حق تقرير المصير. وهو ما يمكن إدراجه في حرب المقترحات والمقترحات المضادة، منذ أن أُوقف إطلاق النار بين طرفيْ النزاع.
مثّل حق تقرير المصير من خلال الاستفتاء الشعبي القاعدة التي أُوقف على أساسها إطلاق النار في 6 أيلول 1991 بين البوليساريو والمغرب اللذين تعهّدا بالالتزام الكامل بقرار مجلس الأمن رقم 690 لإنهاء النزاع الذي كان قد بدأ عام 1975، على إثر قيام الملك الحسن الثاني بمسيرة حاشدة شارك فيها 350000 مغربي لضم الإقليم الصحراوي باعتباره جزءاً من المملكة المغربية، وهو ما لم يرضِ جبهة البوليساريو التي قادت استقلال الصحراء، وأعلنت قيام الجمهورية العربية الصحراوية عام 1976 بدعم من الجزائر وليبيا.
لقد اعتبر المغرب منذ البداية أن قضية الصحراء مفتعلة تستهدف إضعافه وتقويض دوره الحضاري والتاريخي في شمال إفريقيا من خلال خلق كيان وهمي، الجامعة العربية هي في غنى عنه، تابع لعاصمة مغاربية هي الجزائر التي عزفت عن السماح للمغرب بأن يستكمل وحدته الترابية، تلك الوحدة التي كان قد بدأها باستعادة طنجة ثم إفني وطرفاية. بينما تعتبر البوليساريو أن مسألة الصحراء الغربية قضية كفاح وتصفية الاحتلال المغربي الذي لم يتوانَ عن اقتسام إقليم الصحراء مع موريتانيا التي كان يطالب بها هي أيضاً في وقت سابق.
وعلى هذا الأساس، فالاستفتاء في نظر المغرب تأكيد على مغربيّة الصحراء لا غير، والاستفتاء عينه في نظر البوليساريو هو الأداة القانونية لتحقيق الاستقلال التام عن المغرب. وبين هذين المنظورين المختلفين والمتناقضين رفض الطرفان مختلف التسويات والحلول الوسط، ما أطال عمر النزاع ومعاناة اللاجئين، بعدما بات جليّاً أن بعثة الأمم المتحدة «المينورسو» في الصحراء الغربية عاجزة عن تحديد هوية الناخبين الذين يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في اقتراع تقرير المصير.
كان تقرير كانون الأوّل 1991 بالنسبة إلى البوليساريو خرقاً صريحاً لروح مخطط التسوية ومحتواه، وانحيازاً لأطروحة المغرب، إذ صار سبباً لتأجيل وتأخر متابعة عملية التطبيق واستمرارها. ففيما تتعلق عملية تحديد الهوية بالأربعة وسبعين ألفاً وتسعمئة وشخصين (74902) الذين شملهم الإحصاء الإسباني لسنة 1974 ومئات الأشخاص الذين يكونون بلغوا السنّ القانونية للانتخاب (18 سنة) وقت إجراء الاستفتاء في كانون الثاني 1992، فتحت المعايير الخمسة الإضافية التي وضعها التقرير للانتخاب البابَ لإدخال المئات بل الآلاف من الأشخاص، وهو ما تم فعلاً وفقاً لتصوّر البوليساريو التي تتهم المغرب بذلك، وخصوصاً بعدما بنى جدار الفصل في الصحراء.
بالعودة إلى المفاوضات التي قد تجري في الولايات المتحدة الأميركية أو سويسرا، فقد بدأت تلوح في الأفق إرادة لإنجاح عمليات التفاوض لا من القيادات السياسية فحسب، بل من مختلف الفعاليات السياسية. فقد أقرت ثلاثة أحزاب مغربية مشاركة في الائتلاف الحكومي، خطة انفتاح على الفعاليات السياسية في بلدان المغرب العربي لوضعها في صورة تطورات قضية الصحراء. ومن المقرر أن تبدأ مشاورات مع فعاليات سياسية في الجزائر وموريتانيا وتونس، إضافة إلى مؤتمر الشعب الليبي لإيجاد أرضية مشتركة تدعم خطة المفاوضات التي أقرها مجلس الأمن للبحث في حل سياسي لنزاع الصحراء. وترمي المشاورات إلى إيجاد منفذ شعبي متعدد الأطراف بهدف تسهيل المفاوضات.
المؤكد أن المملكة المغربية خطت خطوات عديدة في قضايا احترام حقوق الإنسان والحريات العامة، وذلك وفقاً لمختلف التقارير الصادرة عن مراصد حقوق الإنسان، بما فيها تلك الصادرة عن منظمة العفو الدولية. يعزز ذلك موقف المغرب في التفاوض، وخصوصاً بعد مباشرته برامج إصلاحية اقتصادية وثقافية كبيرة في إقليم الصحراء، وكذلك الاضطلاع بإصلاحات مماثلة في ميدان الإعلام والاتصال الذي ما زال الطرف الآخر من المعادلة يخشاه وينأى عنه على الرغم من كونه لغة العولمة، والأسلوب الأنجع لاحتواء المعارضة.
* كاتب جزائري