عصام نعمان *
قمتُ في مقال سابق (1/3/2007) بتوصيف تحدياتٍ خمسة تواجه الأمة في هذه المرحلة، ينطوي كل منها على جملة قضايا وإشكاليات تتطلب التساؤل والإحاطة والمناقشة واستخلاص الدروس والنتائج، وبيّنت التطلعات التي تراود أصحاب المشروع النهضوي العربي في مواجهة الهجوم الأميركي الصهيوني. كل ذلك كي أقترح، ختاماً، مناهج تحقيق المشروع النهضوي وآلياته على النحو الآتي:
1 ــ مباشرة مراجعة نقدية شاملة وعميقة لتجارب قوى الشعب الحية والنظم السياسية المتعاقبة بغية استخلاص الدروس والعِبَر وتصويب الرؤية والممارسة في ضوء معطيات تاريخية ثلاثة:
أ ــ اصطدام النضال من أجل التحرر والوحدة والتنمية بوجود أجنبي شبه دائم على امتداد المنطقة، دافعه التحكم بمضائقها الاستراتيجية، وبمنابع النفط، وبالسوق القارية الواسعة.
ب ــ التكامل العضوي بين الولايات المتحدة واسرائيل.
ج ــ ضمور التعددية القطبية وصعود الوحدانية القطبية الأميركية الأمر الذي حرم العرب من حليف دولي ذي شأن.
2 ــ مباشرة حركة تجديد حضاري لمفاهيم الإسلام والقومية العربية من خلال جعل الإيمان مشروطاً ومقروناً بالعمل، والممارسة بالقيم، والثقافة بالنقد، والتحديث بالديموقراطية، وحقوق الإنسان بمساواة المرأة بالرجل، والنهضة بالمنهج العلمي والعقلانية.
3 ــ للنهوض بموجبات استراتيجيا الممانعة والمقاطعة والمقاومة، يقتضي توحيد «المؤتمر القومي العربي» و«المؤتمر القومي الإسلامي» من خلال صيغة تكاملية تكفل قيام كتلة تاريخية على امتداد الوطن العربي من جماهير وكوادر التيارات والقوى الحية (انظر: خير الدين حسيب، «حول الحاجة الى كتلة تاريخية»، مجلة «المستقبل العربي»، عدد شباط 2007). ذلك ان تثوير حال الأمة والارتقاء بها لم يعد مجدياً بالمناهج والوسائل السابقة للمشروع الإمبراطوري الأميركي بل بالعمل لإقامة «كتلة تاريخية» تتكون من التيارات الأربعة الرئيسة والفاعلة في الأمة: القومي العربي الديموقراطي، والإسلامي الشوروي العروبي، واليساري الديموقراطي العروبي، والليبرالي الوطني العروبي.
4 ــ المساعدة على تأليف وحدات للمقاومة الشعبية وحرب الغوار في البلدان العربية المهددة بعدوان أميركي ــ صهيوني وإيجاد طرائق لتواصلها وتعاونها مع المقاومة المدنية والميدانية في فلسطين والعراق ولبنان، وتوصية قوى المقاومة في جميع أنحاء المنطقة، بتوسيع دائرة الاشتباك مع أميركا وإسرائيل بقصد إنهاكهما وإحباط هجومهما الشامل على قوى المقاومة والتحرر والديموقراطية في المنطقة واغتنام التحولات الناجمة من تعثّر مشروع الهيمنة الإمبراطوري الأميركي لطرد نفوذ الولايات المتحدة من المنطقة.
5 ــ تجاوز العمل الرسمي الدولي بالتعاون مع المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية من أجل إنشاء هيئة عالمية ذات وقفية خاصة لتمويلها وإدامتها باسم «المؤتمر المدني العالمي لحقوق الإنسان والشعوب»، يكون بمثابة برلمان عالمي دائم أو «بورتو أللغري» حقوقي إنساني في إطار «المنتدى الاجتماعي العالمي».
المهمات المرحلية العاجلة
إلى المناهج والآليات المشار إليها آنفاً، يقتضي وضع برنامج مرحلي للمهمات العاجلة كل سنة أو سنتين، على أن يصار الى إعلانه وإبلاغه من القوى السياسية الناهضة بالمشروع الحضاري النهضوي العربي والعاملة من أجل تحقيق أهدافه. ولعل البرنامج المرحلي الأول يتضمن المهمات الآتية:
1 ــ اعتبار مواجهة إسرائيل ومن ورائها أميركا في فلسطين ولبنان، ومواجهة أميركا وحليفاتها في العراق، أولويتين مطلقتين في هذه المرحلة.
2 ــ مصارحة إيران بأن صدق مواجهتها للهجمة الأميركية الصهيونية عليها وعلى الإسلام والمسلمين مرهون بمدى استعدادها لقطع التعاون مع حكومة نوري المالكي وجميع القوى العراقية المتعاونة مع الاحتلال الأميركي في العراق، وانتقالها تالياً، للتنسيق والتعاون مع القوى الوطنية والقومية المنبثقة من شتى شرائح الشعب العراقي وقواه الحية، والإقرار بعروبته وانتمائه القومي. ويقتضي ان تتعهد الدول العربية لإيران، ولا سيما مصر والسعودية وسوريا، بأن وفاء إيران بالشروط السياسية والأمنية والاستراتيجية المبيّنة آنفاً يُلزم هذه الدول بوقوفها معها علناً، سياسياً وإعلامياً ولوجستياً (وحتى عسكرياً ممن يمكنه ذلك) ضد الهجمة الأميركية الصهيونية التي تستهدفها في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور.
3 ــ إحياء معاهدة الدفاع المشترك ومباشرة تنفيذ أحكامها وموجباتها بإنشاء كيان اقتصادي ــ دفاعي يضم، في مرحلته الأولى، دول الطوق (مصر وسوريا والأردن ولبنان) والسعودية بقصد الاستغناء عن الأمن الأجنبي المستعار والامتلاك التدريجي لمقومات الأمن القومي الجماعي.
4 ــ مباشرة حملة توعية وإعلامية شاملة من طرف القوى الوطنية والإسلامية والديموقراطية لكشف المخططات الأميركية الرامية إلى إشعال فتنة بين السنّة والشيعة في سياق استراتيجيا إدارة بوش الرامية إلى تفكيك النظام الإقليمي إلى كيانات صغرى على أسس إثنية أو قبلية أو طائفية أو مذهبية.
5 ــ اعتبار الوحدة الوطنية داخل الأقطار العربية والإسلامية القاعدة الأساس لمواجهة مخططات التفكيك والتفتيت والتقسيم الأميركية.
6 ــ اعتماد نهج إقامة حكومة وحدة وطنية بين القوى القومية والإسلامية والديموقراطية والليبرالية
حيث يمكن، أو حكومة وطنية ائتلافية بين القوى السياسية غير الخاضعة للإملاءات الأميركية حيث يتعذّر إقامة حكومة وحدة وطنية.
7 ــ دعوة الحكومات العربية والإسلامية إلى التنبّه لمخاطر المخططات الأميركية، ولا سيما ما يتعلق منها بشن الحرب على إيران، لكونها تؤدي، عاجلاً أو آجلاً، إلى إلحاق أضرار وخسائر بالغة بالدول المجاورة وبالاقتصاد العالمي.
8 ــ إبقاء العمل الشعبي المناهض للولايات المتحدة وإسرائيل والضاغط على الحكومات العربية والإسلامية حياً وحاراً وفاعلاً ما دام الصراع قائماً في فلسطين والعراق والمنطقة عموماً.
9 ــ تفعيل المقاطعة العربية والإسلامية للمنتوجات الأميركية ولمنتوجات كل دولة تحالف الولايات المتحدة أو تُظاهِرُها في مواجهة القضايا والحقوق والمصالح العربية.
10 ــ الضغط على الحكومات العربية لعدم الاعتراف بأية حكومة يفرضها المحتلون الأميركيون للتحكم بالعراق سياسياً واقتصادياً وثقافياً، والدعوة إلى انسحاب فوري للقوات الأميركية والى إحلال الأمم المتحدة محلها لتمكين الشعب العراقي من اختيار حكومة وطنية من خلال انتخابات حرة.
11 ــ إطلاق حملة من أجل إجلاء القوات الأجنبية عن الأراضي العربية وتصفية قواعدها العسكرية.
12 ــ دعوة المودعين العرب في الوطن والعالم الى سحب أرصدتهم وودائعهم المالية من المصارف الأميركية، وحثّهم على التعامل بعملة غير الدولار.
* وزير لبناني سابق