دولة الرئيس غسان سليمان

سمعتك منذ أيام وأنت تلتقي أصحاب المحال والمؤسسات التجارية في وسط البلد.
وأنا كصناعي لبناني ومتضرر، آلمني تضررهم، فأرهفت سمعي وأصغيت إليك بكل جوارحي.
كم كنت مرهفاً حين طالبت بفك الاعتصام، حرصاً على مصالحهم، وكم كنت وطنياً عندما وجّهت نظر المقاومة الى الجنوب، لئلا تضيع في زواريب بيروت، مؤكداً دورها هناك.
كان في ودّي ان أطبع قبلة على جبينك، حيث لم تقبّلك رايس.
وسرحت بي أحلام اليقظة لأراك ترأس جلسةً لمجلس وزراء كل لبنان، وتصدر تعليماتك للجيش ان يفرج عن أسلحة المقاومة المصادرة، وتطلب من السفيرين الأميركي والفرنسي التزام الأعراف الديبلوماسية، وتعلن لبنانية مزارع شبعا وان تحريرها مقدمة لإعادتها الى سلطة الدولة لا الى وصاية الأمم المتحدة، وتوزع أموال المساعدات على متضرري حرب أميركا وفرنسا واسرائيل على لبنان، وتحيّي أبطال المقاومة في الجنوب تعويضاً عن تجاهلهم طوال ثلاثة وثلاثين يوماً، وتسأل وزيرة الشؤون الاجتماعية عما قامت به تجاه الجرحى وعوائلهم، وتسأل وزارة المهجرين عما فعلته وما قدمته للمهجرين في الحرب، وتسأل وزراء حزب الله عن عوائل شهداء هذه الحرب، وتصدر قانوناً يعتبرهم شهداء الوطن، وتنشئ وزارة للإعمار فنعمّر ما هُدّم.
ساعتها انحنيت أمامك يا دولة الرئيس، على رغم الهدر والمحسوبية والكثير الكثير مما لا يحكى عنه، ولشدة ما انحنيت ولعنت المعتصمين في الساحتين التزاماً بتوجيهاتك، اصطدم جبيني بالأرض وصحوت.
المعتصمون لا يريدون الإقامة حيث هم يا دولة الرئيس.
أيّ نعم لأيّ مطلب رفعه أكثر من نصف شعب لبنان صدرت عنك لتنهي الاعتصام.
أتريد إنهاء الاعتصام بلا أي نعم؟ حقك...
لكن أتهمّك المقاومة والجنوب؟ عجباً أمات فيلتمان.



رحيل القلم المقاوم
فايز شكر

معزوفة الخبر على وتر السحر، أجمل أغنية حرمنا إياها القدر، عندما اقتنص منا الكاتب بالأسحار وبلون الحق جوزف نصري سماحة. كاتب معتق لا بعدد السنين وتوالي الأيام، ومنسق أعدّ للكلمات الهادفة والحادة عدّتها، واستحضر كل وسائلها، وسبك كل جزئياتها، وأعطاها أجمل زخارفها وأصدقها، كاتب ارتشف النبل وتسلّح بالعزّة ولم ينقَد أو ينجرّ للرأي الهابط والفكرة الشاذة.
في زمن وفي وطن قلّ فيه أهل الخبرة وكثر المتسلّقون وتجار الإعلام أعلى جوزف سماحة من شأن مهنة الصحافة، فكتب للوطن وهو عشقه، وللمقاومة وهي نهجه، ونأى بنفسه عن التعريف بالأشخاص والأزلام مهما علا شأنهم وغلا ثمنهم.
ولأن لبنان بلد الدعاية والضوضاء الكاذبة، لاذ بسيفه والقلم فاحتجب عن المرئي، وظل وقّاداً في المقروء، حتى ذاع صيته وهو الذي شاح بنفسه عن محبّي الشهرة والعظمة فكان له ما زهد فيه.
ولئن كانت الصحافة هي السلطة الرابعة فقد جعل من «خطه الأحمر» مطرقة تلك السلطة، يفصل من خلالها بين الغث والسمين مما يُكتب ويُنشر ولا سيما في الآونة الأخيرة، حيث انفلتت الكلمات المذهبية والمقالات التحريفية.
ولئن كانت الصحافة هي الفطور اليومي للبنانيين، فقد جعل من «الأخبار» الحديثة الولادة أسرع وأسهل ما يتناوله المرء فأضحت وخلال شهور قليلة من الصحف الأُوَل في لبنان والعالم العربي، على ان ما وصلت إليه لم يكن كل طموحه، فقد نقل مقرّبون منه انه كان على موعد مع تحديثها بإدخال مواضيع جديدة عليها بعد عودته من سفره الذي لم يتم. رحل القلم المقاوم للعدو، المقاوم للفتنة، المقاوم للظلام فترك فراغاً صعباً أن يُملأ وأسىً صعباً أن يُنسى، وحزناً في قلب كل من اعتاد قراءته كل صباح، فكنّا هذه المرة على موعد مع وداعه لا مع يراعه، ولكن ما يهوّن الخطب ان تبقى الأخبار صحيفة الكلمة الصادقة والرأي الحر ترتقي سلم الشهرة كما أراد لها.