عصام نعمان *
صحيح أن إدارة بوش هي وراء تأجيج الشقاق بين أهل السنّة وأهل الشيعة في العراق. لكن توقيت إعدام صدام وما رافقه وأعقبه في العراق وخارج العراق ينبئ بأن مخطط الشقّ والفتنة موضوع وجارٍ تنفيذه على مستوى الأمة كلها.
لا يكفي أن نتهم إدارة بوش وصنائعها ووكلاءها هنا وهناك وهنالك بتنفيذ هذا المخطط الرهيب بل يجب ان نعي انه ما كان في وسـع إدارة بوش أو أية جهة أخرى حليفة لها أو وكيلة أن تنجـــــــــــح في ما تسعى إليه لولا قابلية العرب والمسلمين في عالمهم وتعاملهم لتناول السمّ الأمــــــــــيركي ممزوجاً بالدسم. فالفتنة الكبرى التي تسعى إدارة بوش إلى إحيائها وتجديدها وتزخيمــــــــها إنما صنعها مسلمون أوائل في فجر الإسلام، ومارسوها أجيالاً وعصوراً في ضُحاه وظهره، على حدّ تعبير أحمد أمين، فهل يكمّل مسلمون متأخرون في عصرنا ما كان قد اقترفه أقران لهم قدامى؟
ثقافة الفتنة ما زالت تعشعش في نفوس مريضة وأخرى منحرفة لا تتورع عن توظيف المذهبية ووقائعها السوداء في خدمة مصالحها السياسية الدنيئة. من هنا تنبع أهمية أن يعي أهل العقل والفطنة والالتزام بروح الإسلام المترعة بقيم التسامح والتراحم خطورة اللحظة، فينهضوا إلى التحذير من عواقب الفتنة والتنبيه إلى خطر صنّاعها ومروّجيها وأغراضهم الشريرة في هذا المنعطف الخطير من تاريخ المنطقة والأمة.
لا تستطيع إدارة بوش ان تغسل يديها من الملابسات الفظّة اللاأخلاقية واللاقانونية التي رافقت إعدام صدام في يوم عيد الأضحى. فهي إدارة الاحتلال صاحبة السلطة والكلمة الأولى والأخيرة، وهي العليمة بأن جماعتها في واجهة السلطة العراقية منقسمون على أنفسهم في مسألة الإعدام يوم العيد، وأن بعضهم رفض توقيع مرسوم تصديق الحكم لتنفيذه وبعضهم الآخر ذهب إلى الحجّ تحايلاً وتهرباً، وكان بإمكانها والحال هذه ان تؤجل الإعدام إلى وقت لاحق. لكنها إذْ أصرّت على التنفيذ في المكان والزمان فلأنها وطّدت العزم على تنفيذ مخطط الشق والفتنة لأغراض شريرة، بعضها يتعلق بالعراق وبعضها الآخر يتعلق بفلسطين ولبنان وسوريا وصولاً إلى إيران.
يجب ان يعي العرب والعجم ان إدارة بوش تهدف إلى شقّ الإسلام السياسي الى إسلام سنيّ وآخر شيـــــــــــــعي والى إشعال الفتنة بين أهل كل من الفريقين. يجب ان يعي العرب والعجم ان إدارة بــــــــــوش ضد العرب كما هي ضد إيران. كانت ضدهما منذ ثمانينيات القرن الماضي عندما فرضت على العراق وايران في الوقت نفسه سياسة «الاحتواء المزدوج»، ثم أعقبتها بشن حرب على العراق لاحتلاله وجعله قاعدة ومنطلقاً لتطــــــــــويع المنطقة كلها. وها هي اليوم تتحضّر وتُحضّر العرب والعجم وسائر المسلــــــمين لحرب أخرى ضد إيران لن تسلم من مضـــــــــاعفاتها البلدان العربية والإسلامية المجاورة.
إنه لأمر محزن ومحبط ألاّ تكون قيادتا العراق وإيران قد أدركتا منذ مطالع الثمانينيات حتى قيام أميركا بشن الحرب على العراق عام 2003 أنهما في مواجهة عدو واحد وأنهما مستهدفتان في وجودهما ومصالحهما، وأن المسألة مسألة توقيت ليس إلا، فكان أن تغاضت إيران عن احتلال العراق لتنتهي حاله مع كل ما تختزنه من علل وعدوى إلى ما هي عليه اليوم. فهل تتغاضى قيادات مصر والسعودية وسائر بلدان الخليج عن الحرب التي تعدّها أميركا اليوم ضد إيران مع كل الشرور التي ستتناول في أثنائها وفي أعقابها دول الخليج وستشمل بانعكاساتها السلبية قضايا فلسطين ولبنان وسوريا؟
إنه لأمر محزن ومحبط ألاّ تكون قيادة إيران قد أدركت جوهر الخطر الذي يستهدف الإسلام كله بأهله السنّة والشيعة، وبعربه وعجمه، فنراها تُشاطر جماعتها في العراق «بهجة» إجراءات إعدام صدام في يوم العيد. وإنه لأمر محزن ومحبط ان تتخذ قيادة حزب البعث في العراق موقفاً غريباً من حزب الله في لبنان في معرض تقريع إيران على موقفها من إعدام صدام، فنراها تتهمه بأنه تواطأ مع أميركا في إشعال الحرب مع إسرائيل خلال الصيف الماضي ما أدى إلى صرف الانتباه عن الاحتلال الأميركي للعراق والمجازر التي يرتكبها ضد شعبه، والى تمكيـن إيران من انتهاز الفرصة للظهور بمظهر المؤيد للمقاومة اللبنانية لإسرائيل!
أجل، إنه لأمر محزن ان يكون بعض العرب، وجلّهم من الحكام، ما زالوا ضالعين في خط الاعتقاد والالتزام بأن الخطر الأول والتناقض الرئيس في هذه المرحلة ليس مع أميركا وإسرائيل بل مع إيران ومع الإسلام الشيعي في قابل الأيام!
عندما يكون بعض حكامنا وتنظيماتنا السياسية على هذه الدرجة من القصور السياسي والقابلية الواسعة للانخداع وعدم الإدراك، هل ننتظر، عرباً وعجماً، مسلمين سنّةً وشيعةً، ان تراعينا أميركا أو ترأف بنا في حومة مساعيها الشريرة لحماية مصالحها وتعزيزها ولو على حساب دماء الشعوب وحقها في الحياة؟
يا أُمةً ضحكت من جهلها الأممُ.
*وزير لبناني سابق