نظام مارديني *
لا أحد يعلم على وجه الدقة كيف سيتعامل الرئيس الأميركي جورج بوش مع تقرير لجنة «بيكر ــ هاملتون» الذي صدر في السادس من الشهر الجاري، وخاصة مع قدوم الغالبية الديموقراطية وبدء دورة الكونغرس الشهر المقبل لأنه لا يزال يردد أن مهمة قوات بلاده في العراق تمضي في مسارها حتى تحقيق أهدافها!
فالجميع داخل وخارج أميركا يرى أن بوش غرق في المستنقع العراقي ومن الصعوبة بمكان إيجاد وسائل لخروج مشرّف يحفظ ماء وجه أميركا من العراق.. بالنسبة إلى العارفين والخبراء في شؤون السياسة الخارجية، لا توجد مشكلة، مهما بلغت درجة تعقيدها، تستعصي على الحل من خلال الحوار، مع تفضيل الحوار المتعدد الأطراف. وقد تستثنى من هذا التفضيل كوريا الشمالية التي تستحسن معالجة مشكلتها من خلال حوار ثنائي. وهكذا بدأنا نسمع، بينما العراق يغرق في أتون الحرب الأهلية، دعاوى متصاعدة تطالب بعقد مؤتمر دولي للنظر في الأزمة العراقية والبحث عن حلول لها. والنموذج، كما يروّج، هو اتفاق الطائف لعام 1989 الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان بعدما تم التوصل إليه بمساعدة الخبير في حل المشكلات الصعبة ووزير الخارجية الأميركي الأسبق جيمس بيكر. لكن دعاة تطبيق هذا النموذج غالباً ما ينسون أن لبنان الأمس ليس هو عراق اليوم. فقد وصلت الأطراف اللبنانية المتحاربة عام 1989 حداً من الإرهاق، بعد 14 سنة من حرب طاحنة راح ضحيتها 200 ألف شخص على الأقل، جعلها تسارع إلى القبول باتفاق الطائف. لكن خلافاً لذلك ما زال الاقتتال العراقي في أوله، ولا يوجد ما يدل على أن الشيعة أو السنة قد تعبوا من قتل بعضهم بعضاً.
تعترف افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» بتاريخ 26 تشرين الثاني، بأن فشل الأميركيين في العراق أعطى كلاً من إيران وسوريا فرصة لإقامة ما سمّاه الرئيس السوري بشار الأسد الشرق الأوسط الجديد الذي تسيطر عليه إيديولوجيا كل من إيران وسوريا، بالتحالف مع حزب الله في لبنان وحماس في الأراضي الفلسطينية.. وتضيف الافتتاحية أنه إزاء ذلك ستتفاوض الولايات المتحدة مع كل من طهران ودمشق، عوضاً من التخطيط لضربهما.. بل إن إيران تطالب بحوافز أميركية حتى تقدّم أي تنازلات. وسوريا تطالب بالاعتراف بمصالحها في المنطقة. فهل تقبل الإدارة الأميركية بهذه المطالب السورية والإيرانية، أو هل يملك رئيس وزراء بريطانيا طوني بلير، عرّاب فكرة إشراك سوريا وإيران في البحث عن مخارج من الأزمة في العراق، القوة والنفوذ لإقناع بوش بأفكاره... من أجل كسر الجمود الحالي في العراق وتوفير الاستقرار فيه، وكذلك تحقيق تقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط، وقد أبلغ بلير، أثناء اتصاله مع لجنة «بيكر ــ هاملتون» لدرس الأوضاع في العراق، أن «العاملين السوري والإيراني مهمان جداً في استقرار المنطقة التي بدأت تتحول إلى منطقة خطرة جداً على إمدادات النفط»، وهذه دلائل تشير إلى أن موقف لندن بدأ يتميز عن موقف واشنطن في أسلوب التعامل مع سوريا وإيران والحاجة إلى البلدين في إقرار أي حل للوضع في العراق أو لأزمة الشرق الأوسط. وقد لوحظ أن وزيرة الخارجية البريطانية مارغريت بيكيت لم تنتقد سوريا أو إيران خلال زيارتها لبنان واكتفت بتقديم دعم خجول لحكومة فؤاد السنيورة خلافاً للموقف الأميركي الذي اتهم دمشق وطهران بدفع المعارضة إلى «التظاهر وإسقاط الحكومة الشرعية».
«المحافظون الجدد» كانوا يريدون منذ البداية: أخذ موضوع تغيير الأنظمة إلى مداه ونقله إلى سوريا وإيران، غير أن مثل هذه الأفكار لا تتسم فقط بالعناد ولكنها تتجاهل الحقيقة، وهي أن مصلحة إيران وسوريا المبدئية تكمن في إجبار الولايات المتحدة على الخروج من العراق، وبعد ذلك من الشرق الأوسط. فهما تريدان لأميركا الخسارة في نهاية المطاف كما ذهب «ماكس بوت»، الصحافي الأميركي المنتمي إلى تيار المحافظين الجدد، في مقال له في «لوس أنجلوس تايمز»، إلى أن أميركا «قد أصبحت على شفير الهزيمة في العراق».
*كاتب سوري