أحمد قاسم جابر
من الثابت أن الحكومة أهملت في إعداد مشروع الموازنة العامة لثلاث سنوات خلت، وسمح هذا الإهمال بتراجع دور الدولة في أداء واجباتها الاقتصادية والاجتماعية لأن الموازنة العامة هي أداة لتحقيق أهداف المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. وفي غياب الموازنة العامة غابت فوائدها بحيث لم نعد نعرف حجم الإنفاق الحكومي ومؤشرات النمو الاقتصادي وسياسة الدولة الاقتصادية والاجتماعية، ولم تعد السلطة التشريعية تمارس مهمة الرقابة على النشاط الحكومي وتقويم أداء الوحدات الحكومية.
ومع غياب الموازنة غابت أيضاً الخطط والسياسات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، مما يحتّم التراجع الاقتصادي والاجتماعي فضلاً عن الهدر والإسراف وضياع المال العام. والسؤال المهم: من يتحمّل المسؤولية، ومن نسأل عن خرق أهم مبدأ من مبادئ المالية العامة، وهو مبدأ سنوية الموازنة العامة الذي يفرض أن يتم العمل في موازنة الدولة خلال فترة زمنية محددة هي السنة، وبالتالي فإن تقدير إيرادات ونفقات الدولة يتمّ خلال فترة زمنية محددة هي السنة.
وتطبيقاً لهذا المبدأ على السلطة التنفيذية بكامل وحداتها الإدارية أن تعمل خلال تنفيذ موازنة العام الجاري على إعداد مشروع العام المقبل لعرضه على السلطة التشريعية وإجازة العمل به، فإذا ما انتهت سنة الموازنة يكون على الحكومة أن تعود مجدداً إلى السلطة التشريعية بمشروع موازنة جديد عن سنة جديدة لاعتمادها وإجازتها والعمل بها في عام تالٍ وهكذا تستمر.
إن مبدأ سنوية الموازنة يمثل القاعدة العامة، وهذه القاعدة تقبل الاستثناء في حالات استثنائية طارئة، لكن لا يجوز أن يستمر هذا الاستثناء لمدة ثلاث سنوات كما جرى في لبنان.
إن مبدأ سنوية الموازنة يسمح للسلطة التشريعية بتحقيق رقابة مالية وتقويمية فعالة للبرامج الحكومية التي تنوي الحكومة تنـــــــفيذها، لذلك فإن تجاوز فترة الموازنة السنة يضعف قدرة السلطة التشريعية على تحقيق رقابة فعالة ومن ثم يضعف اكتشاف الأخطاء وأوجه القصور والضعف التي تعتري أداء الحكومة، كما يسهّل على الحكومة إخفاء نياتها الحقيقية والمبالغة في بعض نفقاتها، وهو ما يـــــــقود البلاد إلى مزيد من الهدر والضياع.
وبتقصير الحكومة في إعداد مشروع قانون الموازنة العامة لعرضه على مجلس النواب تكون قد عطّلت الدور المالي لمجلس النواب في مناقشة الموازنة التي تجري، وفقاً للمادة 32 من الدستور، من الخامس عشر من شهر تشرين الأول حتى آخر السنة، حيث تخصص هذه الفترة التشريعية للبحث في الموازنة والتصويت عليها.
وكذلك فإن هذا التقصير في إعداد مشروع الموازنة يتعارض مع المادة 83 من الدستور، التي تفرض على الحكومة أن تقدم لمجلس النواب موازنة شاملة بنفقات الدولة ودخلها، حيث يجب على مجلس النواب وفقاً للمادة 86 من الدستور، أن يبت هذا المشروع خلال العقد العادي أو في خلال عقد استثنائي يمتد حتى نهاية شهر كانون الثاني.
ومــــــــــن خلال هذه النصوص يتبين أن لمجلس النواب دوراً في إعــــــــــداد التشريع المالي للدولة، والحكومة بعدم وضع مشروع الموازنة، تكون قد خالفت نصوصاً دستورية وعطّلت عمل السلطة التشريعية، وهذا يفرض على مجلس النواب أن يطرح الثقة في الحكومة استناداً إلى مبدأ المســــــــاءلة السياسية سنداً للمادة 66 والمادة 37 من الدستور، وبالإضـــــــــافة إلى المساءلة السياسية، يمكن تحريك المسؤولية الجزائية ضد رئيس الحكومة ووزير المال بجرم خرق الدستور المنصوص عنه في المادة 70 من الدستور ومحاكمتهما أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء .
وأخيراً على الحكومة أن تعي خطورة الإهمال والتقصير في إعداد مشروع الموازنة، وأن تعمل لتلافي نتائج هذا الإهمال الذي قد يهدد البلد اقتصادياً واجتماعياً، وأن تتحمل مسؤولياتها كاملة أمام المواطن اللبناني.
* كاتب لبناني