زياد نجار *
تظهر لدى بعض القوى اللبنانية حماسة شديدة لفكرة إسقاط النظام القائم في سوريا، وترى في المحكمة الدولية مدخلاً محتملاً لذلك، والرهان القائم يأمل أن تطيح الولايات المتحدة حكم الأسد لاستبداله بنظام «معتدل» موالٍ للغرب.
تسارع هذه القوى اللبنانية إلى نسج علاقات ودّ مع الرموز السورية المحتملة للحقبة المقبلة، وهي الرموز التي كانت في صلب نظام الوصاية الذي أطبق على لبنان، وأبرزها عبد الحليم خدام. اللافت في مسيرة خدام، أنه كان مهندس سياسات النظام اللبنانية، التي حفلت بممارسات بينها تصفيات واغتيالات، وهو يحتفظ من تلك الحقبة بعلاقات متينة مع رموز 14 آذار. ارتبطت حقبة خدام في لبنان بتقارب وتنسيق مميز بين سوريا والولايات المتحدة بعيداً عن الخطاب الرسمي الذي بقي حافلاً بأدبيات المواجهة والصمود. نجح الرئيس حافظ الاسد في إقامة توازن دقيق بين خطاب قومي متشدد وبين سياسة عرفت كيف توظف نقاط قوتها لتأمين المصالح الحيوية للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. الى جانب خدّام، يبرز المراقب العام للاخوان المسلمين في سوريا علي صدر الدين البيانوني، وهو رمز المعارضة السنية للنظام ويتناسب حضوره في البعد الطائفي المذهبي مع صورة الانقسام السني ــ الشيعي الآخذة في التبلور في المنطقة.
البيانوني حديث العهد في الصداقات اللبنانية، لكنه منذ مدة موضع ترحيب وتشجيع العديد في حركة 14 آذار.
خرجت سوريا من لبنان بعدما اشهرت الولايات المتحدة وفرنسا البطاقات الحمر. منذ ذلك الحين سحب نهائياً الغطاء الاميركي الذي استفادت منه سوريا طوال حكمها للبنان. ألغت حرب العراق الثانية مفاعيل حرب العراق الأولى التي مكّنت سوريا من انتزاع ورقة لبنان. وليست سوريا اليوم في وارد العودة فعلياً الى لبنان، فلا الساحة اللبنانية مهيأة لذلك، ولا سوريا تمتلك القدرة على أداء دورها الإقليمي السابق.
وفي أي حال، فإن لسوريا مصالح باقية في لبنان، وهي مصالح لن تتبدل بتبدل النظام في سوريا لكونها مصالح استراتيجية، وعلى لبنان أن يعرف كيف يتعامل مع ما هو مشروع من هذه المصالح بواقعية تحفظ شروط السيادة اللبنانية بدون أن تستجلب العداء بين البلدين.
بغضّ النظر عمّا قد يكون للنظام الحاكم في سوريا من اطماع في لبنان، أو من حسرة على زمن الوصاية المفقود، فإن لدى سوريا ما يكفي من الواقعية لإدراك أن حلم العودة إلى لبنان مستحيل للأسباب الدولية والاقليمية المعروفة، اضافة إلى الموانع المتعلقة بالظروف الداخلية الخاصة بكل من سوريا ولبنان.
بعيداً عن غزل الرئيس بوش برومانسية ثورة الأرز، لا يدخل لبنان فعلياً في صلب الأجندة الأميركية، وليس لدى الادارة القدرة على إيلاء التعقيدات اللبنانية العناية اللازمة والمستمرة، ولن يكون في وسع الادارة الأميركية الركون الى الديموقراطية اللبنانية، فإذا أتت الانتخابات المقبلة بمجلس نيابي موالٍ لتحالف التيار الوطني الحر ــ حزب الله لن يكون لدى الإدارة الاميركية الحماسة نفسها للديموقراطية اللبنانية. ونحن نعرف سلفاً ما آلت إليه احوال فلسطين بعد انتخاب حماس. الواقع أن الإدارة الأميركية تراقب تعثّر حلفائها من قوى الأكثرية في لبنان. ولنفترض أن الولايات المتحدة الأميركية نجحت في إحداث انقلاب في النظام الحاكم في سوريا، لنتجاهل مدى واقعية هذا الاحتمال ومدى قدرة ورغبة الأميركيين في تطبيقه، ولنتخيل نظاماً موالياً للغرب في سوريا، اركانه من القوى المنشقّة عن النظام السابق صاحبة الخبرة وصاحبة الدراية بالسياسات الأميركية في المنطقة ومتطلباتها، ويرتكز هذا النظام الجديد على بُعد حزبي إسلامي سنّي، ولنتخيل أن الولايات المتحدة المشغولة بالملفات الكبرى ومنها العراق وإيران والوضع الفلسطيني، قررت وهي على ابواب تغيير رئاسي (أو بعده) أن الحل الأمثل والأضمن والأقل كلفة هو اعادة تلزيم لبنان لسوريا ما بعد الأسد، على أن يتولّى النظام الجديد وظيفة كبح حزب الله عسكرياً وتأمين امن إسرائيل، ودعم حلفائه من قوى 14 آذار وتأمين أرجحيتهم السياسية، وتعزيز موقع لبنان في حلف المعتدلين العرب في مواجهة «الهلال الشيعي» بمباركة من النظام السعودي، وسيكون لبنان بالمقابل ورقة ثمينة لتمتين وتعزيز الحكم الناشئ في سوريا من خلال إعطائه بُعداً إقليمياً واقتصادياً وسنداً سياسياً يساعد في تقوية ساعد النظام الجديد. فهل يكون بقاء حكم الأسد الضمانة الفعلية لاستقلال لبنان؟ وهل يكون التغيير في سوريا مدخلاً لعودة الهيمنة الى لبنان وربما من خلال الأشخاص والرموز نفسها؟ الأمر الوحيد المؤكّد، هو أن الولايات المتحدة الاميركية لن تتوانى عن التفريط بلبنان لقاء أي ثمن سياسي استراتيجي مقبول.
* صحافي لبناني