حبيب فياض
انتهت زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم للعراق بإعلان عودة العلاقات الديبلوماسية بين بغداد ودمشق بعد قطيعة دامت 25 سنة، وعلى رغم تأكيد رئيس الديبلوماسية السورية أن زيارته هذه لا تندرج إلا في إطار تحقيق مصلحة الشعبين السوري والعراقي، يدفع التوقيت الذي حصلت به هذه الزيارة والظروف المحيطة بها الى الاعتقاد بكونها خطوة تمهيدية في اتجاه الحوار بين دمشق وواشنطن على خلفية المأزق الاميركي في العراق.
وفي السياق عينه تأتي زيارة الرئيس العراقي المرتقبة لطهران أوائل الأسبوع المقبل، إذ على رغم أهمية الملفات العالقة بين بغداد وطهران في المجالات كافة، إلا ان التواصل بينهما على مستوى القمة وفي هذا الوقت بالذات لا يمكن فصله عن الاجراءات التمهيدية الهادفة الى إيجاد مناخات ملائمة للشروع بحوار اميركي مع دول الجوار العراقي، وتحديداً سوريا وايران، على خلفية التداعيات التي أحدثتها انتخابات الكونغرس النصفية على السياسة الخارجية الاميركية في العراق.
بات محسوماً لدى جميع المراقبين ان الادارة الاميركية في المرحلة الراهنة لن تعدم وسيلة للتخفيف من حدة مأزقها في العراق، وذلك تحت وطأة تصاعد عمليات المقاومة العراقية التي أخذت تحصد المزيد من القتلى الاميركيين، وأيضاً بوحي من سلطة الرأي العام الاميركي الذي بات يضغط في اتجاه الانسحاب من العراق، وهو ما عكسته الانتخابات الاميركية الأخيرة.
إذاً، لم يعد في إمكان الادارة الاميركية تجاهل حقيقة ان أي حل لمأزقها في العراق غير ممكن من دون مساعدة سوريا وايران... واذا كان التنسيق بين بغداد من جهة ودمشق وطهران من جهة ثانية يشكل مرحلة أولى وسهلة في هذا الاتجاه فهل سيكون الانتقال الى المرحلة الثانية ــ التي يتوقع ان تضع الاميركي وجهاً لوجه في حوار شاق ومحرج مقابل الايراني والسوري ــ على المستوى نفسه من السهولة؟ وما هي التقديمات التي من الممكن ان توفرها واشنطن لخصميها اللدودين في المنطقة حتى تفلح في إقناعهما بمساعدتها في العراق؟
من الواضح ان التنسيق السوري ــ الايراني سوف يسبق أي حوار مفترض بين أي منهما وواشنطن، وان مثل هذا الحوار لن تقتصر نتائجه وتداعياته على الملف العراقي بل ستتعداه لتطال كل مشاكلهما مع واشنطن التي لم توفر جهداً على مدى المرحلة الماضية لفرض عزلة عليهما وإخراجهما من المعادلة الإقليمية.
لا شك في ان جدولة الانسحاب الاميركي من العراق سيشكل قاعدة مشتركة لدى الجانبين الايراني والسوري وشرطاً مسبقاً يتمسكان به منطلقاً لأي حوار يجريانه مع واشنطن... وذلك على رغم اختلاف الحيثيات والظروف التي تحيط بعلاقة كل منهما معها. فسوريا ستحاول أن ترسي معادلة جديدة تقوم على أساس: العراق مقابل تراجع الدور الاميركي في لبنان الذي تحول ساحة للتآمر عليها، بالإضافة الى استرجاع دورها الإقليمي وفك العزلة الدولية عنها... أما ايران فلديها أجندة حافلة بالعناوين ستلقيها في وجه الاميركي ــ في حال محاورتها له ــ تبدأ من الملف النووي مروراً بأرصدتها المجمدة منذ انتصار الثورة ووصولاً الى الضمانات بعدم التعرض لها والاعتراف بها أميركياً كدولة ذات سيادة واستقلال.
ان مجرد سعي الادارة الاميركية إلى الحوار مع طهران ودمشق يشير الى عمق المأزق الاميركي في العراق وينبئ بجملة من التحولات التي ستطرأ على السياسة الاميركية في المنطقة، بعيداً من سياسة العزلة والحصار التي كانت تمارسها إزاءهما.
من الممكن ألا تكون أي من طهران ودمشق سبباً في المشكلة الاميركية في العراق، إلا أنهما، بالتأكيد، عامل أساسي في حلها، وهذا قد يشكل مدخلاً من أجل إعادة رسم توازنات جديدة في المنطقة، ولكن يجب عدم إغفال ان الوصول الى هذه المرحلة شاق وصعب، ومن المرجح ان تسبقه تجاذبات كثيرة ومخاضات صعبة.