بولس خلف
بعد مرور خمس سنوات على بدء الحرب الأميركية على «الإرهاب» لا يزال الجدل دائراً بين الكتّاب والمحللين العرب في طبيعة وأهداف السياسة الاميركية في منطقة الشرق الأوسط.
منهم من يـــــــــــرى في مشروع الادارة البوشية نيات استـــــــــعمارية، وبعضهم، في سذاجة، يعتقد بأن هدفها «نشر الديموقراطية»، وآخرون بدأوا يروّجون لفكرة المحور «المعتدل» في وجه المحور «المتطرف».
قد نـــــســـــتيقظ ذات صباح ونكتشف أننا أصـــــبــــحنا عبـــــــــيداً عـــــنـد اسرائيل أو موظفين درجة ثانية أو ثالثة في كيانات مستجدة بينما لا يزال هؤلاء المفكّرون يفكرون في ما تريده اميركا من منطقتنا.
الوقت يمر والأحداث تتسارع والمعادلات تتغير ونحن ما زلنا في طور تشخيص السياسة الاميركية ومــــحاولة فهم أهدافها.
دعونا نقفز فوق هذا الجدل. لا بأس من أن نتوقف قليلاً عند نتائج السياسات الاميركية حتى لو لم نفلح بعد في استيعاب الاستراتيجيات الكبرى التي وضعها نوابغ مراكز الابحاث والبنتاغون و«الستايت ديبارتمانت».
في كل الدول التي تدخلت فيها الولايات المتحدة إن في شكل مباشر أو غير مباشر، تعم فوضى عارمة.
في أفغانستان والعراق وفلسطين هناك ميزة مشتركة: انقسام حاد بين الكتل السياسية الفاعلة يترجم بتوتر كبير في المجتمع وصل الى حد الاقتتال الداخلي. في هذه الساحات الثلاث هناك حروب أهلية بدأت أو تُحضّر الأرضية لها بموازاة حروب هدفها التحرر من الاحتلال الخارجي.
ومهما كنا بسطاء العقول (بما أننا ما زلنا نتحاور ونتجادل في «منطلقات وطبيعة وأهداف» اميركا في المنطقة) فلا يخفى علـــــــــينا ان تشجــــــــيع النزاعات الاهلـــــــــية يرمي الى تفــتــــيت الـــــقــــــوة وتشتيت الطاقات من اجل اضعـــــاف وانهاك الذين يـــــــــــخوضون المعركة ضد الاحتلال الأجنبي، اميركياً كان أو أطلسياً أو اسرائيلياً.
في هــــــــذه الساحات الـــــــــــثلاث نتائج التدخلات الاميركية ناصعة الوضوح لا تحتمل أي تأويلات أو تفسيرات أو اجتهادات.
وإذا كان هــــــــناك من لا يزال غارقاً في تأملاته محاولاً فهم ما تريده اميركا ندعوه الى اختصار المسافات والنظر مباشرة إلى نتائج سياسات الولايات المتحدة.
في هذا السياق من المرجح، بل من المؤكد، ان ما تحضّره الإدارة الاميركية للبنان لا يختلف أبداً عن النماذج التي نراها في أفغانستان والعراق وفلسطين. هدفها المركزي هو ضرب المقاومة اللبنانية وهي أكبر وأقوى وأفعل حركة تحرّرية عرفتها المنطقة منذ عقود.
وبما ان كل الوسائل من ضغوط سياسية داخلية وخارجية وعـــــدوانية اسرائيلية مــــــــــــباشرة قــــــد اســــــتــــــــنفدت، لم يعد هناك إلا خــــــــــــيارين: الاول استسلام المقاومة وهو أمر غـــــــــــــير وارد إطلاقاً مهما حلم الحالمون، والثاني هو الـــــــدفع نحو الاقتـــــــتال الــــــــداخلي بهـــــــدف إلهاء المقاومة واضعافها.
بكلام بسيط، إن لبنان يتجه نحو مواجهة داخلية كبرى لأن بعض القوى السياسية فيه قبلت عن سابق تصور وتصميم الدور الذي رسمته لها الولايات المتحدة، وقمة السخرية ان هذه القوى تسمي نفسها سيادية!
ولكن كما اكتشفت اميركا واسرائيل ان هذه المقاومة يستحيل سحقها، سيُفاجأ «أصدقاء المجتمع الدولي» بأن الشعب اللبناني يرفض بغالبيته الخضوع لأي وصاية جديدة.