نجيب نصر الله
لنرسم خطاً بين القول وصاحبه. مشروعية القول غير مشروعية صاحبه، وما يسري على القول لا يسري بالضرورة على قائله.
الكلام «السعودي» عن «المغامرة اللبنانية»، يندرج في هذا الاطار، وخصوصا ان مشروعية هذا الاخير، على درجة من البؤس، ان لا سند لها غير سند إعمال السيف في الرقاب.
ومع ذلك فان في وصف «المغامرة» بعض الصحة، من حيث ان الفعل الذي قام به «حزب الله» مثّل تحديا جريئا لواقع سياسي وثقافي، له أثر في استيلاد هذه الانظمة، ودوامها. وهو ايضا صحيح جزئيا لان في النتيجة التي اسفرت عنها الحرب، معاني وضعت الانظمة نفسها في مهب عواصف لن تتأخر في الهبوب.
لعل البعض لا يجافي الحقيقة حين يعتبرنا متورطين في ما لا طاقة لنا عليه، او حين يتهم «حزب الله» بانه، من حيث يدري، او لا يدري، قد فرض على البلد، وتاليا المنطقة، أجندة صعبة، وليس هناك في رأيه ما يشير الى قدرتنا على تحمل أكلافها. ربما كان الاجدر بـ«حزب الله»، وفق هذا المنطق، ان يبتعد عن «المغامرة»، وان يسلك سلوك «الحكمة السعودية» حقناً للأكلاف، ولو فعل لكان في مستطاعه ربما ان يوفر على المنطقة مشاق الحروب الراهنة، وحتى تلك المقبلة، وتاريخنا الحديث، تاريخ حروب وفتن. والمواجهة الحقيقية مع اسرائيل ـ لم يعد لها حاجة أصلاً ـ تستلزم شروطا غير متوافرة، وان توافرت فانها غير كافية. ثمة مشروعية في هذه المقاربة، الا انها مشروعية شكلية.
ما يجب التنبه إليه وإدراكه، هو ان مترتبات الانتصار أفدح من مترتبات الهزيمة، ولا داعي لتقديم الادلة على ان الانتصار قد زاد، وسوف يزيد أكثر، من العدوانية الاسرائيلية، وزيادة فتح البلد أمام الخارج، الى درجة قد تضيع معها الفروق بين الداخل والخارج، فوق انه أحدث فرزا حادا، انما ضروريا، للقوى، أعاد الاعتبار لمعايير الوطنية الحقيقية، وخصوصا ان بعضنا كان شريكا كاملا في العدوان، ومع ذلك فان هذا الواقع لا يجب ان يثني عن متابعة جهود التصدي، والمواظبة عليها، لان لا سبيل آخر امام المنطقة، وقواها الحية. وقد برهن حزب الله في هذا الجانب حصرا، انه إحدى هذه القوى.
الحاجة غير الامكانية، قد تنوجد الحاجة وتنعدم الامكانية، وقد يحدث العكس، لنعترف بان النصر «اللبناني» الكبير الذي أُحرز بفعل القتال العسكري حصرا، هو أكبر من امكانات البلد، وفوق طاقته، وهنا مكمن الخوف الذي تستشعره الانظمة العربية مجتمعة. لبنانيا، كان للامر ان يكون خلاف ذلك، لو ان في البلد الحد الادنى من عناصر ومقومات الدولة، أما وأن «الدولة» ممنوعة من الوجود، بفعل الفيتوات الطائفية المتبادلة، وليس في الافق اي امكانية لايجادها، فان النصر مهدد بأن يتحول، ان لم يكن قد فعل، الى عبء حقيقي، يثقل على البلد، المثقل أصلاً، وبالتالي احتمال إطاحة مجمل بنيانه الهش.
عبء حماية النصر أثقل من تحقيقه، هذا أمر لا جدال فيه. تجربة الصمود العسكري الكبير بيّنت ان مقدار البذل خلال الايام الثلاثة والثلاثين، على أهميته، لا يكاد يقاس بما يبذله «حزب الله» هذه الايام، للحؤول دون تحويل الانتصار الاكيد الى هزيمة موصوفة.
ربما كان على حزب الله ان ينهزم، وربما كان على اسرائيل ان تنتصر، هذا هو المعنى الجوهري من «الحكمة» التي دعينا إليها.
على ان الميزة الاهم التي تضاعف من قيمة هذا الانتصار، انه ذو طابع تأسيسي حقيقي، ولن يقف عند حدود الكيان اللبناني، ولانه كذلك، وهذا مؤكد، فان ذلك يضع حزب الله امام مسؤوليات كبرى، ربما تكون أثقل مما يحتمله البلد، وخصوصاً ان المواجهة الاخيرة قد حرّكت خلايا أساسية في الجسد العربي الهامد.