نجيب نصر الله
لانصرام الوقت إيجابياته أيضاً، قد لا تكون بقدر سلبياته، إلا أن في الإيجابيات القليلة ما يستحق التنويه. في المثل اللبناني تبدو الأمور مختلفة بعض الشيء، فمع مرور الوقت يبدو أن الصورة تزداد وضوحاً، وما كان مخفياً أو طي الصدور وجد سبيله الى الخروج. وما كان له إلا أن يفعل، فالالتصاق السياسي، وربما البرنامجي، الذي عبّرت عنه المواقف «السيادية» التي تلت انطلاقة العدوان، فرض ملاقاة التدمير العسكري بمحاولات تدمير سياسية، تجسدت في تحميل «حزب الله» وحده مسؤولية العدوان، والقول بإيرانية الحرب أو سوريتها، وصولاً الى محاولات التعتيم على واقع ارتباط الحرب الاسرائيلية بالأجندة الأميركية الساعية الى فرض السيطرة والاستتباع على عموم المنطقة. توحي حملة بعض اللبنانيين، وهي بالمناسبة حملة ضارية تكاد تضاهي ضراوة العدوان الاسرائيلي نفسه من حيث الاستهداف المركّز لمفاصل الاستقرار الأهلي والسياسي، أن الأمور بالنسبة إليهم قد بلغت مبلغاً حاسماً، ولامست الحدود التي لم يعد ممكناً السكوت بعدها. لا يخلو الأمر من بعض الصحة، وخصوصاً أن النتيجة القصوى التي أمكن تحقيقها جاءت بعيدة جداً، بل مخالفة لأجواء التفاؤل الكبير التي سبقت العدوان، وهي الأجواء التي سرت بين عواصم القرار الغربي والعربي الكبرى، تلك التي أعطت للعدوان المباشر فترة سماح دامت أكثر من أربعة وثلاثين يوماً، وفرضت مناخاً انتصارياً، حتّم كشف الأوراق اللبنانية والعربية التي بقيت مستورة والتي انكشفت مع اليوم الأول للحرب. المناخ الانتصاري هذا سرعان ما انقلب الى مرارة حقيقية سرت هي الأخرى في غير عاصمة. الغريب اللبناني في الأمر، هو هذا الإصرار العنيد على القول بتفسيرات مناقضة لما يذهب إليه أصحاب الشأن أنفسهم، ففيما تُجمع الأصوات الاسرائيلية على القول بالهزيمة والعجز عن تحقيق الأهداف التي عنونت للعدوان، ترتفع في لبنان أصوات تستبطن استنكار هذه الاعترافات. الخلاصة الأولى أن حملة إلحاق البلد بالفلك الأميركي التي بدأت قبل عامين مستمرة، وهي مرشحة للتصاعد، وخصوصاً أن العجز الذي يميز أصحاب الحملة، بات يهدد المكاسب القليلة التي أمكن تحصيلها بالتزوير.
فجأة، ومن دون سابق إنذار، يقفز من بين الحشد فتى أنيق يحاول قولاً أخرق، فينسب لجماعته دوراً في «الانتصار»، لتجييره في غير سياقه. تصرُّف الفتى الأنيق ذو دلالة على أن ما تحقق بات أمراً واقعاً وملموساً وسوف تكون له تداعياته الأكيدة على مستقبل البلد وموازينه السياسية.
لم تنته الحرب بعد، الفرسان الثلاثة الذين جمعهم المؤتمر الصحافي الأخير، أفصحوا عن حقيقة النوايا التي تنتظر لبنان الذي استطاع التغلب على العدو الظاهر. البلاغ الانقلابي الذي أذاعوه بالنيابة عن أصيل غارق في معالجة ذيول حربه الفاشلة، يستدعي من الحرصاء الفعليين على البلد أن يتخلوا عن سياسة المراضاة، التي أنتجت فتية ينتظرون من يقلّهم بين العواصم، أو يأخذ بيدهم ساعة تشتد المعركة.