نجيب نصرالله
أسئلة الثقافة غير أسئلة السياسة، المشتركات الكثيرة لا تلغي الفوارق بينهما، كما إن التشابهات الكبيرة لا تجعلهما واحداً. الجمع بينهما لا يعدو أن يكون من باب الحيلة.
ليست الثقافة رتبة تمنح صاحبها حقوقاً أو امتيازات تجعله فوق القول أو العمل، وهي أيضاً ليست منصباً سامياً له صلاحيات الأمر والنهي، كما إنها ليست بالمهنة المأجورة التي يمكن مزاولتها عند واحد من أرباب العمل، بدوام كامل أو جزئي، أو حتى حر. الأرجح أنها أرفع وأعقد من ذلك بكثير. الثقافة عدوة لليقين، سواء أكان هذا اليقين فكرة أم موقفاً. الثقافة أسئلة مفتاحية. موقعها على تخوم اليقين لا يجعل منها يقيناً. السياسة صديقة للإدّعاء وقريبته، تستعين به ويستعين بها، وأما الثقافة فلا.
الثقافة لا تُعطى ولا تورّث، ولا تعار ولا تستعار، كما إنها لا توظِّف ولا توظَّف.
الثقافة أيضاً لا تعرف الحياد ومن الضروري أن يكون لها رأي في مسائل الحق والعدالة.
منذ الانكسار الحاد الذي أوقع بنظام الاستتباع البعثي السيئ الذكر، والبلد يعج بالأسئلة، لكنها من نوع الأسئلة التي تستبطن الأجوبة، ولأنها كذلك فهي أسئلة زائفة، وبلا معنى، وأعجز من أن تضيف.
أسئلة اليوم هي نفسها أسئلة الأمس القديم، وهنا المعضلة التي لا يمكن جسرها بفنون الفصاحة الجوفاء، حيث إن أغلب الأطروحات الرائجة لا تقول شيئاً، وإن قالت فإنها تقول الشيء ونقيضه. إيجاد الأجوبة لا يحتاج إلى «استدخال» المثقفين. الأجوبة مهنة السياسيين ورجال الدين ومتواضعي المعرفة من أصحاب اليقين.
الجواب يلغي الأساس الثقافي للمثقف.
الأسئلة الثقافية الناشبة اليوم هي في الحقيقة سؤال واحد أحد، يحاول التمظهر في أكثر من لباس للإيهام بالجدية والرصانة.
من المؤكد أن التعريفات المذكورة لا تدّعي الإحاطة بكامل المشهد الذي يعتصرنا، إنها بعض العناوين المفتاحية لتسهيل الوقوف على طبيعة السؤال الذي ينهش الاجتماع الطوائفي اللبناني. هل يمكن تصديق أطروحة السؤال الشيعي؟ وكيف لذلك أن يكون؟ أليس السؤال الشيعي في حقيقته سؤالاً لبنانياً؟ ما معنى القول بالسؤال الشيعي؟ وهل يمكن للسؤال الشيعي إن وجد أن يقوم لوحده، وإذا صح وجوده، فهل يمكن الموافقة على اعتباره سؤالاً ثقافياً بحتاً، أم انه سؤال سياسي لا يختلف عن باقي الأسئلة السياسية السائدة، التي تعترض طريق بناء الدولة؟
وماذا عن السؤال السني، أو الدرزي، أو الماروني، أو غيرها؟
وهل إن الإجابة عن السؤال الشيعي تكفي لقيام الدولة، أم إن السؤال الشيعي ذريعة جديدة لتبرير العجز عن بنائها؟
ألا يمكن للحوار الجاد والحقيقي بين مكوّنات الاجتماع اللبناني أن يجيب عن كل الأسئلة المعلّقة منذ زمن التأسيس الملتبس؟
ألا تشكل «الأكثرية» الحاكمة سؤالاً لا يقلّ في وطأته عن باقي الأسئلة؟ وما الذي يميز السؤال الشيعي عن سؤال «الأكثرية»، ولماذا هذا التركيز عليه وحده؟ وهل مشاكل النظام اللبناني الراهنة هي وليدة هذا السؤال فقط؟
ما هي الأسباب التي تجعل اليوم من السؤال الشيعي يتصدر الأسئلة، ويتقدم على سؤال النظام اللبناني؟ وهل يمكن تجاهل الهجمة السياسية والثقافية الشاملة على المنطقة ودورها في استنهاض الأسئلة الخطأ، أو المعلّقة، أو تلك التي تنطوي على مشاكل؟
نحن اليوم أمام مقاربات سياسية تلتبس المظهر الثقافي، للقول إن السؤال الشيعي المزعوم، لا علاقة له بلبنان، أو إنه سؤال إيراني وحسب. إن التعامل مع هذه الأطروحة بوصفها تفسيراً كافياً يحيلنا إلى ضرورة التعامي عن المؤثرات الفعلية والذهاب نحو مزيد من التوتير.
السؤال الشيعي المطروح اليوم هو سؤال سياسي صاف، يراد من الترويج له القفز فوق الأسئلة الحقيقية، تلك الخاصة بأصل المشكلة، وأصل المشكلة يكمن حصراً في طبيعة النظام اللبناني.
السؤال الشيعي ذريعة سياسية جديدة تستبطن هدف القضاء على «حزب الله» وما يمثله من نموذج مقاوم حقيقي وناجح.