عصام نعمان *
من معاينة الواقع ومن معين الخبرة المتراكمة عبر سنوات طويلة من العمل الوطني الديمقراطي أجيب بلا تردد ان القوى الوطنية الحية مدعوة إلى تحقيق ذلك الهدف المركزي الإستراتيجي ، وان النهج الأفضل الواجب إعتماده في هذا السبيل هو العمل الشعبي الديمقراطي .
القوى الحية المطالبة بالنهوض إلى تحقيق الهدف الجلل هي عبارة عن مروحة واسعة من القوى الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية والديمقراطية ، أبرزها فعاليات وشرائح جادة في حزب الله ، والتيار الوطني الحر ، والشيوعيين ، والقوميين الإجتماعيين ، ومنبر الوحدة الوطنية « القوة الثالثة « ، والشريحة الشوروية في الجماعة الإسلامية ، والشريحة الشابة في حركة أمل ، والشرائح الديمقراطية المستقلة في صفوف القوميين العرب والبعثيين والناصريين والأرمن الطاشناق والأرمن اليساريين وجمعيات حقوق الإنسان وسائر الفعاليات والشرائح الداعية والعاملة في سبيل قيام دولة مدنية قادرة وعادلة تسلك مسلك الحياد بين المراجع والمؤسسات الدينية ، وتحرص في عملها العام على نهج الشورى والديمقراطية وحكم القانون والشفافية والعدالة والتنمية المستقلة والمستدامة .
المقصود بالعمل الشعبي الديمقراطي توخي التركيز على القضايا الإجتماعية والنضال الإجتماعي المطلبي حيث يتلاشى الفعل الطائفي والمذهبي ، وذلك بإعتماد المناهج والوسائل الديمقراطية السلمية في ممارسة العمل العام داخل المجتمع الأهلي ومؤسسـات المجتمع المدني ، بما في ذلك جواز بل جدوى اللجؤ الى العصيان المدني ، إذا إقتضى الأمر . لا خـوف ولا حرج من اللجؤ الى العمل المباشر ، لاسيما الى العصيان المدني ، بدعوى محاذرة الإنزلاق الى حرب أهلية . فالمزاج الشعبي في الوقت الحاضر منافٍ للعنف الطائفي وغير مقتنع بجداوه ، والطوائف كلها منقسمة على نفسها وموزعة الولاء على إتجاهات وأهداف ومطالب شتى الأمر الذي يعطّل الإصطفاف الطائفي الصارم والعصبوي . لعل منطلق نهج العمل الشعبي الديمقراطي يكون بإعتماد ورقة التفاهم المشتركة التي توصل إليها حزب الله والتيار الوطني الحر وإغناء مضمونها وتطويرها وتوسيع عضوية المستعدين للإلتزام بها لتشمل ، بادىء الأمر، في تحالفٍ أو إئتلافٍ عريض ، الشيوعيين والقوميين الإجتماعيين و « القوة الثالثة « ، على ان تتكامل لاحقاً بالتعاون مع سائر شرائح القوى والفعاليات الحية المار ذكرها . إن الهدف المرحلي لهذا الإئتلاف الوطني العريض هو ممارسة الضغط الشعبي بمختلف الأشكال والوسائل الديمقراطية على الطبقة السياسية المتحكمة بغية تحقيق توافق وطني عام على إقامة حكومة إتحاد وطني مع صلاحية إشتراعيـة لسنّ قانـون انتخاب ديمقراطي عادل على أساس النسبية ، والإشراف على إجراء الإنتخابات . ذلك كله ليكون المجلس النيابي الجديد بمثابة جمعية تأسيسية لمباشرة عملية إصلاح سياسي ديمقراطي وشامل على الأسس المبينة آنفاً . بإعتماد هذا النهج الديمقراطي يتحول حزب الله من مقاومة ميدانية إلى مقاومة مدنية من دون ان يتخلى بالتأكيد عن دوره كقوة رادعة خلال مرحلة الإنتقال من النظام الطوائفي القاصر والفاسد إلى الدولة المدنية الديمقراطية القادرة والعادلة . كما تتحول بقية القوى الوطنية الحية من معارضة سياسية كلامية إلى مقاومة شعبية مدنية فاعلة .
هل ثمة نهج آخر لتأسيس ، نعم لتأسيس ، دولة لبنان المدنية الديمقراطية ، أو على الأقل لإعادة بناء « الدولة « الراهنة المشرفة على الإنهيار ؟
باب الحوار والمناقشة مفتوح على مصراعيه .
(حلقة ثانية وأخيرة)
*وزير ونائب سابق - محام وكاتب