وليد شرارة
أدرجت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس المواجهة التي دارت على أرض لبنان في إطار الحروب والمواجهات التي تخوضها الولايات المتحدة لبناء شرق أوسط «جديد». ما يتعرض له اللبنانيون والفلسطينيون والعراقيون، وما قد يتعرض له السوريون والإيرانيون، من أهوال ومجازر مجرد «آلام مخاض» ولادة «الجديد» من رحم «القديم». جوهر الصراع الذي يدور منذ أكثر من نصف قرن بين الولايات المتحدة والدول الغربية الملتحقة بها من جهة، وبين القوى الحية في المنطقة العربية من جهة أخرى يتمحور حول تعريف هوية المنطقة وتحديد الجهة المخوّلة تقرير مصيرها. بقي نفي الهوية العربية عن المنطقة واعتبارها فضاءً جغرافياً يضم «مصالح وطنية حيوية» للدول الغربية وموزاييك من الطوائف والإثنيات من ثوابت التصورات الاستراتيجية الغربية. وعلى عكس بقية أمم العالم، بقيت الأمة العربية، وهو مصطلح بات من يستخدمه يُتّهم مباشرة بالعنصرية وبمساندة الاستبداد، أمة محرومة من حقها في تقرير المصير. سعت الولايات المتحدة منذ بداية الخمسينيات الى استبدال النظام الإقليمي العربي الناشئ ممثلاً بالجامعة العربية بنظم إقليمية غير عربية، حلف السنتو ومن ثمّ حلف بغداد، بحجة مقاومة المدّ الشيوعي. الهدف الفعلي كان محاربة مشروع الوحدة العربية الذي حملته مصر الناصرية. نظر الغرب الأميركي والأوروبي الى هذا المشروع على أنه خطر داهم على مصالحه في المنطقة. ومنذ أن وقع عدوان حزيران على مصر عام 1967، انبرى قادته وخبراؤه ومثقّفوه يؤكدون هزيمة القومية العربية واندثارها الى غير رجعة. وتكرّّّر الأمر بعد كل هزيمة، فبعد الحرب على العراق عام 1991، أعلن برنار لويس، الأب الروحي لمشروع الشرق الأوسط الجديد، في مقال نشره في مجلة فورين أفيرز بعنوان «إعادة التفكير بالشرق الأوسط»، موت العالم العربي ككيان سياسي لأن دولاً عربية شاركت إلى جانب التحالف الغربي في الحرب ضد دولة عربية ولأن بعض الأنظمة أوقفت يومذاك دعمها عن منظمة التحرير الفلسطينية. جاك دولور، الإشتراكي الفرنسي وأحد أبرز مهندسي الوحدة الأوروبية، أسهب في الاتجاه نفسه ،إذ رأى أن الحرب تثبت أن الأمة العربية مجرد وهم. حتى ان بعض أصدقاء العرب المزعومين كرولان دوما وإيف لاكوست وبيير فيدال ناكيه وآلان تورين كشفوا عن حقيقة مشاعرهم ونواياهم عبر تأييد الحرب، والتأكيد على أن تدمير الفكرة العربية من أبرز «إنجازاتها».
وجدت هذه الحرب الإعلامية الغربية آذاناً صاغية بين أوساط النخب العربية الليبرالية والمستنيرة، لكن تأثيرها على جماهير الأمة، باعتراف خبراء الحرب الإعلامية الأميركيين، معدوم. ما زالت هذه الجماهير مصرّة على أن صياغة الشرق الأوسط أمر يعنيها وحدها، وأن حقها في تقرير المصير لن يموت مهما طال الزمن.