وليد شرارة
يمثّل الردّ الايراني على عرض الحوافز الدولية، الذي سلم إلى مجموعة 5+1، بداية مرحلة جديدة في المواجهة السياسية والديبلوماسية الدائرة بين الجمهورية الاسلامية والتحالف الغربي منذ أكثر من سنتين حول الملف النووي الايراني. أبدت ايران حسن نياتها من خلال تأكيد استعدادها لمفاوضات جدية من دون شروط مسبقة على مجمل القضايا الخلافية وتلك ذات الاهتمام المشترك. من الواضح أن هذه المقاربة الايرانية محاولة لإفساح المجال لدور روسي وصيني أكثر حيوية على المستوى الديبلوماسي، وللسماح بتمايز أوروبي عن الموقف الأميركي إذا كانت الدول الأوروبية ترغب في ذلك. الهدف الأول قابل للتحقيق. لروسيا والصين مصالح حيوية مع ايران قد تدفعهما للذهاب بعيداً في عرقلة الهجمة الأميركية ــ الغربية على هذا البلد ومحاولة ايجاد مخارج ديبلوماسية للأزمة الحالية. ايران شريك اقتصادي وتجاري وسياسي من الدرجة الأولى بالنسبة لروسيا. التعاون بين البلدين يشمل المجال النووي (مفاعل بوشهر تبنيه روسيا) والعسكري والنفطي والغازي، وكذلك المجال السياسي والاستراتيجي في آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين في مواجهة التغلغل الأميركي. الصين، من جهتها، ترى ايران بمثابة مخزون نفطي استراتيجي لها ولبقية القوى الآسيوية الصاعدة يقع خارج دائرة النفوذ الأميركي. وليس سرّاً أن الولايات المتحدة، التي ترى أن الصين هي عدو المستقبل باعتبارها دولة مرشحة للتحول الى «منافس من المستوى نفسه» (peer competitor)، ستستخدم ورقة الابتزاز النفطي لإعاقة هذا التحوّل لكونها تسيطر على أغلب المصادر المعروفة للطاقة. لهذا السبب، ستسعى الصين ودول آسيوية أخرى، ومنها ماليزيا مثلاً، لمحاولة منع الحرب الأميركية ــ الغربية على ايران التي تهدف، بالاضافة الى تدمير المشروع النووي، الى ضم ايران مجدّداً الى الحظيرة الأميركية.
أما الهدف الثاني لإيران، أي اتاحة المجال للأوروبيين للتمايز عن الأميركيين، فإن بلوغه يبدو أكثر صعوبة. فالإجماع الاستراتيجي الغربي الذي تبلور ضد ايران بسبب طموحاتها النووية، أعمق مما يظنه البعض. وهو يعود للأسباب نفسها التي دفعت الدول الغربية، على الرغم من صراعاتها وخلافاتها، الى معاداة مشروع محمد علي باشا في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ومصر الناصرية في النصف الثاني من القرن العشرين، والعراق في بداية تسعينيات هذا الأخير.
من ثوابت الاستراتيجية الغربية، الأوروبية والأميركية، منع أية دولة من دول المنطقة المحورية من التحول الى قطب اقليمي يجذب اليه بقية دول المنطقة وقواها. هذا ما يفسر استنفار الغرب ضد ما أسماه الهلال الشيعي، كما سبق أن استنفر ضد أي شكل من أشكال الوحدة أو التنسيق بين دولها أو بين بعض دولها. ويأتي الموقف الفرنسي الذي يشترط تعليق البرنامج النووي الايراني لاستئناف المفاوضات مع طهران، ليُظهر مرة أخرى صعوبة الرهان على أية تمايز أوروبي عن الولايات المتحدة في أية قضية ذات أهمية استراتيجية في هذه المنطقة.