زياد سعيد
ما اسم الدولة التي بادرت الى إعلان الاستعداد لمشاركة فعالة في القوة الدولية القادمة الى لبنان؟
ما اسم الدولة التي استضافت أول مؤتمر دولي لأجل لبنان ودافعت عن «النقاط السبع»؟
ما اسم الدولة التي قررت أن مهمة «يونيفيل» الجديدة هي «مهمة سلام» وأن هذا هو التفسير الوحيد الممكن لمضمون القرار 1701؟ وكان سبق لهذه الدولة أن حاولت تمييز نفسها بالإلحاح على ضرورة الإسراع الى وقف إطلاق النار.
ما اسم الدولة التي ارتضى مسؤولون فيها الحوار مع «حزب الله» دليلاً على قدر من الواقعية، ورفضاً لتهمة «الإرهاب»، وسعياً الى تأمين الأرضية السياسية للعب دور في الجنوب؟
ما اسم الدولة التي أعلنت أن المطلوب، وبأقصى سرعة ممكنة، إرسال قوات دولية الى قطاع غزة؟
ما اسم الدولة التي تقدّمت لتطلب المشاركة في الحوار الغربي مع إيران وذلك في إشارة الى أهمية تغليب الديبلوماسية على الوسائل الأخرى؟
إنها دولة أوروبية أولاً، ومتوسطية ثانياً، وحاضنة لمركز ديني كاثوليكي.
إن هذه الدولة هي إيطاليا. إنها إيطاليا المحكومة بأكثرية ضئيلة فاز بها تحالف اليسار ــ الوسط طارداً سيلفيو بيرلوسكوني من السلطة ومعه حثالة اليمين الأقصى والفاشيين السابقين.
نشهد، هذه الأيام، صعوداً إيطالياً مفاجئاً في ما يخص السياسات الواجب اتباعها حيال الشرق الأوسط وقضاياه ومشاكله. ولا يحتاج المرء الى كبير عناء ليكتشف أن هذا الصعود يتأسس على الجوانب الإيجابية في سياسات أوروبية سابقة، وعلى مقاربات تختلف عن تلك التي تعتمدها الإدارة الأميركية الراهنة.
يمكن القول، بلا مبالغة، إن إيطاليا تكاد تحلّ محل فرنسا في إضفاء مسحة عقلانية على توجّهات جيراننا الشماليين. ما كان يمكن جاك شيراك أن يفعله يفعله رومانو برودي. ويطل وزير الخارجية الإيطالية ماسيمو داليما بشكل يكاد يمحو صورة فيليب دوست بلازي الذي كان يفترض فيه أن يطمح لأن يكون سفيراً لفرنسا في دولة نائية لا وزير خارجية.
إلا أن ما تقدم لا يلغي عدداً من الملاحظات.
الأولى، إن إيطاليا لا تملك تقاليد العمل الديبلوماسي النشيط والمستقل في هذه المنطقة من العالم. صحيح أنها شريك تجاري أول لعدد من البلدان فيها ولكن ذلك لا يكفي.
الثانية، إن إيطاليا ستبقى محكومة بالقدرة الأوروبية الإجمالية على توفير حضور. وتقول التجربة إن هذه القدرة محدودة.
الثالثة، إن إيطاليا غير متحررة تماماً من تأثير السياسة الأميركية المستفيدة من انحيازات فرنسية وألمانية (الانحياز البريطاني تحصيل حاصل)، ومن المقدّر أن تتلقى روما ضغوطاً، بما فيها الضغوط الاسرائيلية، لدفعها باسم «توازن» ما الى الاندراج في الركب الغربي.
في غضون ذلك علينا أن نلاحظ الصعود الإيطالي وأن نسجل له، ببعض التحفّظ، أنه أميل الى أن يكون في اتجاه أقل سوءاً.