وليد شرارة
مرة أخرى، يظهر الرفض الاسرائيلي لطلب أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان رفع الحصار عن لبنان حقيقة عجز هذه المنظمة عن التأثير الجدي والمستقل نسبياً في العلاقات الدولية.لم تكن شعوب هذه المنطقة من العالم تحتاج الى دليل جديد على عجز المنظمة الدولية. فبمجرد استذكار عدد القرارات الدولية الخاصة بالصراع العربي ــ الاسرائيلي والتي بقيت حبراً على ورق، يبرز العجز جلياً. عكست سياسات المنظمة الدولية سابقاً، أيام الثنائية القطبية، واقع موازين القوى الدولية، واستمر الأمر نفسه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك الكتلة الاشتراكية وسعي الولايات المتحدة الى فرض سيطرتها الآحادية على العالم. أملت دول أوروبية كثيرة مع بداية تسعينيات القرن الماضي أن تتحول الأمم المتحدة الى «مجلس ادارة للعالم» يسمح بتكريس هيمنة غربية مشتركة على مختلف أرجاء المعمورة. لكن هذه الآمال تبددت مع وصول التحالف الأصولي ــ العسكري ــ المحافظ الجديد الى سدة السلطة في الولايات المتحدة واعتماده سياسات تهدف الى اعادة هيكلة بنية النظام الدولي عبر «تحرير» واشنطن من القيود التي تمثّلها المنظمات الدولية والمعاهدات والاتفاقات والمواثيق، وإلى بسط «هيمنتها الحميدة» من دون منازع. لذلك، علت أصوات أوروبية كثيرة تستنكر شل فاعلية دور الأمم المتحدة وتهميشها من قبل الولايات المتحدة، لأن هذه السياسة تعني عملياً تهميش دور الدول الأوروبية. لم ترتفع هذه الأصوات، كما يظن البعض، دفاعاً عن مبدأ الادارة الجماعية الشاملة لشؤون العالم. فبنية مؤسسة الأمم المتحدة نفسها، والصلاحيات الاستثنائية التي تتمتع بها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن داخلها، خاصة قدرتها على استخدام حق النقض (الفيتو) لتعطيل أي مشروع قرار لا يتناسب مع مصالحها ورؤاها، تمنع ذلك أصلاً.
أجبر المأزق العراقي والتطورات الدولية اللاحقة، خاصة الأزمتين الكورية والايرانية، الولايات المتحدة على العودة الى نوع من سياسة الشراكة، من الموقع الأقوى طبعاً، مع الدول الأوروبية المتلهفة على ذلك. لكن قدرة هذا التحالف الغربي المستجد، الذي يستخدم أحياناً الأمم المتحدة غطاء لإسباغ شرعية دولية ما على سياساته، على التحكم في وجهة تطور الأحداث تتراجع تدريجياً لكن باستمرار. لم تصل القوى المناهضة للهيمنة الغربية الى درجة من القوة تسمح لها بتغيير الوضع القائم، لكنها باتت تمثّل تحدياً جدياً له. فشل العدوان الاسرائيلي على لبنان، مثلاً، في تحقيق أهدافه، دليل على هذه الحقيقة. المأزق الأميركي المتعاظم في العراق دليل آخر. المخاوف الغربية المتزايدة من نتائج عدوان أميركي على ايران على الاستقرار الاقليمي والعالمي دليل ثالث. وهناك دلائل أخرى كثيرة تعزز قناعة من يرى أن الوضع الدولي يدخل في حقبة جديدة سمتها الرئيسية عجز من هم في قمة هرم السلطة عن قيادة العالم كما فعلوا في السابق، وعدم قدرة القوى المعارضة، حتى الآن، على تغيير موازين القوى لمصلحتها، بصوابية رأيه. هذا التوصيف للوضع الدولي يقترب كثيراً من التعريف التقليدي للأزمة السياسية. وفي ظل غياب القدرة على الحل، وعجز الأطراف المتنازعة عن حسم الصراع لمصلحتها، تفتح الأزمات السياسية الباب أمام الفوضى. نحن أمام أزمة سياسية عالمية فتحت الباب لمرحلة من الفوضى العالمية.