من يتابع المقالات التي يكتبها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في الصحافة العالمية والاجنبية يرى الصورة المرنة والمباشرة التي يتحدث بها الدبلوماسي الايراني، وهو الأعرف بطريقة التعامل مع المجتمعات الغربية لكونه قضى فيها سنوات ولا سيما في الولايات المتحدة الاميركية. فقد جاءت الرسالة الاخيرة التي كتبها في صحيفة «نيويورك تايمز»، تحت عنوان رسالة ايران، في وقت تستمر اللقاءات بين الطرفين بخصوص البرنامج النووي الايراني ورفع العقوبات عن بلاده، وحاول ان يلقي الكرة من خلالها في ملعب الغرب.
وعلى حد قوله الحسم بين المواجهة او التعاون وبين الاتفاق أو الرفض، ويدعو الى حسم الغرب هذا الموضوع لأنه يمهد للحوار في موضوعات اكثر سخونة، وهنا الرسالة الاهم للسياسة الخارجية الايرانية. وهذا يثبت مصداقية التفاوض الايراني الذي جرى في نطاق سابق، كانت في نطاق التفاوض الفني والسياسي الخاص بالبرنامج النووي، وليس كما يشاع من كونه يدخل سياق التفاوض حول الملفات الاقليمية الساخنة.
عنوان «المسج» الايراني كان واضحاً وهو ان «منطقة الخليج في اضطراب»، عقب احداث اليمن تحديداً التي هي اقرب اليوم الى الحرب الطويلة المرهقة، على الرغم من اعلان السعودية انهاء العمليات العسكرية شكلياً. والخليج يمثل في الذاكرة السياسية الاميركية الاحجية التي يجب الحفاظ عليها بأي شكل من الاشكال.
رسالة إيران أن المشاركة
هي في بناء التوازن الإقليمي لا التعاون بصيغه التقليدية

ويفسر ظريف سبب الاضطراب والازمات المتكررة في الخليج بأنه ليس سقوط حكومات او مجيء اخرى جديدة، بالاحرى هو تمزق البنى الاجتماعية في تلك البلدان، عقب الفوضى التي احدثها التدخل السعودي في محاولة لخلق توازن قوى جديد في المنطقة. ويقترب من مفارقة ان دول المنطقة مثل بيوت الخشب، ما ان تشب نار في بيت حتى تشب في البيت الآخر، لذلك يذهب ظريف الى ان الفوضى لا تعترف بالحدود التقليدية للدول، في حين يعيش عالم اليوم أفول السيادة في ظل صعود الفواعل من غير الدول. رسالة ايران الواضحة ان المشاركة هي في بناء التوازن الاقليمي، وليس التعاون الاقليمي بصيغه التقليدية، وخصوصاً في مرحلة ما بعد المفاوضات النووية.
ومن قاعدة الاتزان الاقليمي يقود رؤى الاتزان الدولي بشكل عام، لذلك فإن (اوراسيا العالم الجديدة القديمة) الخليج، هو منطقة الحوار الرمادي المستمر بين القوى الكبرى في العالم، ولذلك في معالجة المعادلات الاقليمية (التقارب الايراني التركي الثنائي - الاختلاف التركي الايراني المتعدد)، مثلاً في القضية السورية.
وانطلاقاً من الابتعاد عن اللعبة الصفرية، يرى ظريف انه «لا يمكن السعي لتحقيق الأمن على حساب انعدام أمن الآخرين»، مثل حالة الارهاب، والتناقض في دعم محاربة «داعش» في العراق، مقابل دعم افعالها أو اخواتها في سوريا واليمن، في اشارة الى المملكة العربية السعودية. ويرى ظريف ان افضل ساحة للحوار هي تأسيس وانشاء «منتدى للحوار الجماعي في الخليج». لذلك فإن الموقف الايراني يرى ان موضوع اليمن سيكون البداية المهمة لهذا المنتدى في الساحة اليمنية، والتي قدم خريطة الطريق فيها الى:
1- وقف اطلاق فوري للنار.
2- ادخال المساعدات الانسانية، فقد رفضت السعودية السماح للطائرات الايرانية بدخول اجواء اليمن لتقديم المساعدات الانسانية.
3- تسهيل الحوار السياسي في اليمن سعياً لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ويقدم ظريف تصوراته المهمة، ورسائله الاساسية بأن هذا الحوار الإقليمي يساهم في تعزيز التفاهم والتفاعل الدولي، وخصوصاً انها ستشكل المفاتيح المهمة للمصالح الغربية مثل حرية الملاحة وحرية تدفق النفط، وصولاً الى اتفاقات التفاهم الامني... الفرصة الفريدة التي ينتظر المرسل الايراني الاجابة عليها في منطقة تعيش خارج التغطية.
* مدير مركز «بلادي للدراسات
والابحاث الاستراتيجية» ــ العراق