يمكن القول، وبموضوعية، إن وتيرة تنامي الاقتصاد الصيني وقوة الصين العسكرية، قد يشكلان العوامل الأساسية لجعلها في المستقبل القريب القوة العالمية أو المنافس الأهم للولايات المتحدة، وهو ما لا يغيب عن الأخيرة حالياً من ناحية التوصيف. فبحسب البيانات الإحصائية القابلة للاعتماد من أجل المقارنة، تُعتبر الصين أكبر قوة اقتصادية في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا، إذ يساوي الناتج المحلي الصيني ضعف ناتج روسيا والهند معاً، ويزيد عن ناتج الولايات المتحدة بما يُقارب تريليون دولار خلال عام 2015، فيما تتفوّق الصين على اليابان في ناتجها القومي وميزانها التجاري. وهو الأمر الذي جعل الخبراء الاستراتيجيين يقفون عند دراسة منظومة الصين المتنامية، واستراتيجيتها الهادفة إلى التعاظم من حيث الدور والنفوذ على الصعيدين الآسيوي والعالمي.
زادت الصين من مستوى تحركها العسكري في أنحاء العالم
تُشكِّل البيئة الاستراتيجية للصين وبحسب تطورها، إما فرصةً لنجاح الطرف الصيني في التعاظم، أو تهديداً له. فالعديد من المعطيات والتي غالباً ما تكون مُعقدة، تجعل هذه البيئة عاملاً أساسياً لدى الطرف الصيني وهو ما لا يختلف عن الدول الأخرى الطامحة إلى التعاظم. وهذا ما يجعل المنظرين لاستراتيجيات الصين، يعدّون أن الهدف المركزي للولايات المتحدة سيكون إضعاف القوة الصينية على الصعيدين العسكري والاقتصادي، عبر استغلال هذه البيئة وإيجاد نقاط ضعف الطرف الصيني فيها. الأمر الذي اعتمدته واشنطن في خلق بيئة محيطة للصين تكون نقطة ضعفها، فبدأت ببثِّ الخلافات بين بكين وجيرانها لا سيما فيما يخص الحدود البحرية بينها، كما دعمت حلفاءها من دول بحر الصين الجنوبي، عبر إرسال أسطول حربي مكون من حاملة طائرات وسفن حربية.
من جهة أخرى، تُمثل العلاقة الأميركية ـ الصينية مسألة تُؤخذ بعين الاعتبار، لا سيما كون الولايات المتحدة تُعتبر السوق الأساسية للصادرات الصينية، كما أنها مصدر للتطور العلمي ولتخريج النُخب من العلماء والمهندسين الصينيين. وهي العلاقة التي تُمثَّل لدى الطرفين نقطة الضعف والقوة في الوقت نفسه، حيث باتت العلاقة تدخل ضمن حسابات الطرفين في التخطيط لأي سياسة مستقبلية تهدف إلى منع الطرف الآخر من زيادة فرص تهديداته الاحتوائية.
إن البيئة المُحيطة بالصين والتي تتشكّل أهمها من اليابان، القوة الاقتصادية الصاعدة، والهند التي باتت تعيش النهضة العسكرية والاقتصادية، تجعل من اليابان المُنافس الإقليمي المُحتمل للصين مستقبلاً، على الرغم من كونها مصدراً للمساعدات التقنية وفرصة جيوسياسية للصين من أجل كسب الطرف الياباني ضد واشنطن. في حين تُعتبر الهند منافساً إقليمياً آخر للصين خصوصاً بعد التوجه الهندي إلى تغيير السياسات الاقتصادية عبر اعتماد آليات اقتصاد السوق، وتطوير القدرات العسكرية كافة.
لذلك، نجد أن الصين أخذت على عاتقها الانفتاح على دول هذه البيئة إلى جانب الدول المركزية في آسيا كإيران، من خلال توثيق العلاقات الدبلوماسية بهدف تأمين المصالح المشتركة معها لزيادة مكانة بكين على الصعيد الآسيوي وقدرتها على الوقوف بوجه الطموحات الأميركية. وتستند الصين في رسم استراتيجيتها الهادفة إلى تحديد توجهاتها على صعيد السياسية الدولية، إلى السعي لتوسيع نطاق النشاط الاقتصادي في محيطها الآسيوي، وذلك لمنع وجود ثغرات قد تستغلها واشنطن لإضعافها. فعملت على تشكيل تكتلات سياسية واقتصادية حولها تكون هي محورها، كما زادت من مستوى تحركها العسكري في أنحاء العالم لا سيما في الممرات المائية المهمة، تحديداً في بحر الصين الجنوبي الذي يُعتبر بالنسبة إليها مُسطحاً إقليمياً مهماً على المستويين العسكري والاقتصادي، نظراً إلى ما يحتويه من ثروات وممرات مائية استراتيجية، إلى جانب أن معظم التبادل التجاري للصين مع العالم الخارجي يمر من خلال هذا البحر. ودعمت الصين مشروع طريق الحرير عبر مبادرة «حزام واحد – طريق واحد» التي أطلقتها في منتدى نظمته خلال شهر أيلول من عام 2015، بمشاركة ممثلين عن 60 بلداً. كلُّ ذلك بهدف تقوية الوجود الصيني في المنطقة والعالم من خلال استراتيجية مدروسة وطويلة الأمد.

*باحث في إدارة المنظومات والشؤون الاستراتيجية