بتاريخ 25 شباط 2020 صدر قرار عن رئاسة الجامعة اللبنانية رقم 452، يقضي بتكليف أطباء بمهام رؤساء أقسام وخدمات في كلية العلوم الطبية، ويعني بالتالي الاستغناء عن رؤساء أقسام وخدمات مشهود لكفاءتهم العلمية والتعليمية. وبعد الضجّة الإعلامية التي سبّبها هذا القرار، إن في وسائل الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، أو على شبكات التواصل الإجتماعي،
وانطلاقاً من حرصنا على كلية العلوم الطبية التي تأسّست في أحلك أيام الحرب اللبنانية، واستطاعت بفترة وجيزة ورغم العوائق الكبيرة والمتنوّعة التي واجهتها، أن تبرهن عن مصداقية عالية في الداخل والخارج، بفضل تشبّثها بتطبيق القوانين،
يهمّنا أن نلقي الضوء على المخالفات القانونية التي تعتري هذا القرار والتداعيات السلبية الناجمة عنه، وأن نقترح، في الوقت عينه «خارطة طريق» لإنقاذ الكلية، علّ ذلك يكون مناسبة لتصحيح المسيرة والمحافظة على المستوى الأكاديمي لطلاب اليوم وأطباء الغد، ضنّاً بمصلحة كلية العلوم الطبية وكرامة أساتذتها وسمعة الجامعة اللبنانية وحفاظاً على صحة المواطنين.

أولاً في المخالفات القانونية
لقد بني قرار التكليف على:
- قانون تنظيم المجالس الأكاديمية رقم 66 تاريخ 4/3/2009، المعدّل لبعض مواد قانون تنظيم الجامعة اللبنانية رقم 75 / 67 ، تاريخ 26/12/1967،
- قرار تفويض رئيس الجامعة البتّ في الحالات الخاصة التي ترفع من الكليات ، رقم 1825/م.ج/ تاريخ 6/12/2017

1. في عدم إجراء انتخابات لرؤساء الأقسام
إن القانون رقم 66 المتعلّق بتنظيم الأقسام الأكاديمية وانتخاب رؤسائها ينصّ بوضوح على انتخاب رؤساء الأقسام الأكاديمية وأعضائها، وليس على تكليفهم. فلماذا لم تتمّ عملية الانتخاب؟
قد يقول البعض إن الرؤساء المقالين كانوا أيضاً مكلّفين. ونحن نسأل: لماذا لم يتمّ انتخابهم علماً بأن القانون رقم 66 قد صدر في عام 2009 أي منذ 11 عاماً، كما أن مرسوم منح الألقاب الأكاديمية للأساتذة المتعاقدين بالساعة في كلية العلوم الطبية والذي يمكن الاستناد إليه لتطبيق أحكام القانون 66، قد صدر في عام 1994. وإذا لم تكن الإدارة قد عمدت إلى تطبيق إجراء الانتخابات في السنوات الأولى بعد صدور قانون تنظيم المجالس الأكاديمية، فماذا يبرّر الاستمرار بعدم تطبيق هذا القانون أحد عشر عاماً بعد صدوره؟
وربّ قائل إن معظم الأساتذة متعاقدون بالساعة، وبالتالي لا يجوز انتخابهم. لكّن هذا غير صحيح. فالقانون ينصّ على أنه في حال عدم وجود أساتذة في الملاك أو متفرّغين، يجوز انتخاب أساتذة متعاقدين بالساعة وفق شروط الترشّح والانتخاب التي يخضع لها الأساتذة المتفرّغون أو في الملاك، شرط ألاّ يقل نصابهم التعليمي عن 200 ساعة.

2. في اعتبار كلية العلوم الطبية حالة خاصة
تنصّ المادة الثالثة والثمانون من القانون 66 على أنه في حال وجود حالات خاصة في الترشّح في بعض الكليات، تُرفع هذه الحالات إلى مجلس الجامعة للبتّ فيها، بناءً على توصية مجلس الوحدة.
وهنا نجزم بأن لا شيء يبرّر اعتبار كلية العلوم الطبية حالة خاصة، ويجيز بالتالي اللجوء إلى التكليف طالما أن شروط الترشح والانتخاب متوافرة في الكلية، إذ أنه كان يكفي فقط أن توضع آلية للانتخاب، ليتمّ تطبيق القانون 66 من دون أي عائق كما هي الحال في باقي الكليات.

3. في عدم تطبيق المعايير الأكاديمية
وإذا سلّمنا جدلاً بالتكليف، فإن القانون رقم 66 ينصّ على وجوب احترام ثلاثة معايير في الانتخاب، أو بالحالة الحاضرة في التكليف:
- أن يكون رئيس القسم من الفئة الأولى (أي برتبة أستاذ)، أو من الفئة الثانية (أي برتبة أستاذ مساعد)، وقد حدّد المرسوم رقم 4710 تاريخ 28/1/1994 ، كيفية منح الألقاب الأكاديمية،
- وأن يكون قد مارس التعليم الجامعي عشر سنوات بعد نيله شهادة الاختصاص، وفقاً للمرسوم نفسه،
- وألّا يقل نصابه التعليمي عن 200 ساعة.
فهل طبّقت المعايير الأكاديمية هذه في القرار 452 ؟ طبعاً لا. كما أننا نجزم جزماً قاطعاً أن عدداً من المكلّفين لم تطأ أقدامهم الكلية من قبل، وبالتالي فإن قرار التكليف يخالف القانون.

4. في غياب توصية مجلس الكلية
إن التكليف يتمّ من قبل مجلس الجامعة، ولكن بناءً على توصية مجلس الكلية. والحال أن هذا القرار لم يأت على ذكر توصية مجلس الكلية، وقد أُبرز اقتراح من عميد الكلية بعد صدور القرار ونتيجة للضجة الإعلامية، علماً بأن اقتراح العميد لم يرد في بناءات القرار 452، كما أنه باطل في الأساس، إذ أن القانون ينصّ على أن التكليف، يتمّ بناءً على توصية مجلس الكلية، وبالتالي ما بني على باطل فهو باطل. ومن حقّنا أن نسأل : لماذا لم يلتئم مجلس الكلية ويرفع توصيته بهذا الصدد إلى مجلس الجامعة؟ والجواب أن مجلس الكلية لم يلتئم بحجّة وفاة أحد أعضائه وإحالة اثنين آخرين إلى التقاعد. لكننا نلفت إلى أن مجلس الكلية مؤلف من ثمانية أعضاء وعميد، وبالتالي فإن غياب ثلاثة منهم لا ينبغي أن يشلّ انعقاد المجلس، إذ أن وجود الأعضاء الستة الباقين يكفي لتأمين النصاب. فالمخالفة إذاً هي ، مرة أخرى، بعدم تطبيق أحكام القانون.

5. في تفويض مجلس الجامعة رئيسها البتّ في الحالات الخاصة
إذا كان مجلس الجامعة قد فوّض رئيسه البتّ في الحالات الخاصة التي ترفعها الكليات، في عام 2017 ، فهل هذا يعني أن التفويض لا يزال قائماً في عام 2020؟ أوَليس هذا تعدّياً على صلاحيات مجلس الجامعة؟ ونظراً إلى تعطّل مجلس الجامعة حالياً، ألا يفترض أن يقترن توقيع رئيس الجامعة بموافقة سلطة الوصاية وتوقيعها ، ليصبح القرار قانونياً؟ وذلك بناءً على المرسوم رقم 1167 تاريخ 15/4/1978، (تفويض رئيس الجامعة اللبنانية بعض الصلاحيات العائدة أصلاً إلى مجلس الوزراء).

6. في التذرّع بالمدة القانونية لتبرير استبعاد بعض رؤساء الأقسام والخدمات
لقد تمّ توزيع شريط فيديو من قبل رئاسة الجامعة اللبنانية يؤكّد على أن تكليف رؤساء أقسام وخدمات جدد، قد جاء تطبيقاً لأحكام القانون الذي ينصّ على ألّا تتجاوز مدة تحمّل مسؤولية رئاسة القسم الأربع سنوات. والواقع أن هذه الأحكام لا تنطبق إلاّ في حال الانتخاب، ولا تسري قطعاً على التكليف. علماً بأن البعض ممّن أعيد تكليفهم في القرار 452 ، قد تجاوزوا هذه الفترة الزمنية، ما يعيدنا إلى ضرورة إجراء انتخابات وفق الأصول لاستعادة الشرعية القانونية.

ثانياً: في التداعيات السلبية
1. من غير المعهود أن يتمّ تغيير بهذه الأهمية في منتصف العام الجامعي نظراً إلى التداعيات السلبية التي تنجم عنه لجهة تنظيم أمور الطلاب الأكاديمية والسريرية.
2. من غير الجائز استبدال أساتذة لهم تاريخهم الطبي والأكاديمي من دون إعلامهم مسبقاً بالأمر، وإلّا أعتبر التدبير تأديبياً. ولا أظنّ أن أحداً منهم كان ليعترض لو تمّت الأمور بمهنية وشفافية ووفق الأنظمة المرعية الإجراء. مع الإشارة إلى أن قسماً من المكلفين الجدد مشهود لهم.
3. هل يعقل أن تناط إدارة الأقسام الرئيسة الأربعة، التي تشكّل النواة الصلبة لمجلس الكلية، وهي: الطب (بفروعه كافة)، والجراحة (بفروعها كافة)، والجراحة النسائية والتوليد، وطب الأطفال، بأربعة أطباء من مستشفى واحد، علماً بأن ثلاثة منهم لم تطأ أقدامهم أرض الكلية من قبل!
4. إنه من غير الطبيعي أيضاً، أن تُعيّن الغالبية الساحقة من رؤساء الأقسام والخدمات الجدد من مستشفييْن في حين أن الكلية متعاقدة مع أكثر من عشرين مستشفى. وليس من باب الصدفة أن يكون المدير الطبي لأحد المستشفيين، هو نفسه عميد الكلية، ورئيس مجلس إدارة المستشفى الآخر، هو مساعداً أو نائب العميد، علماً بأن هذا المنصب لا وجود له في أي من النصوص القانونية لكلية العلوم الطبية أو لأية كلية أخرى في الجامعة اللبنانية.
فهل تجوز كل هذه المخالفات والمغالطات في تكليف رؤساء أقسام وخدمات أكاديمية في كلية رسالتها تخريج أطباء مسؤولين عن صحة الإنسان في هذا الوطن؟
وماذا عن مصداقية الكلية وعن انعكاسات هذه التعيينات على وضع الطلاب ومستقبلهم في باقي المستشفيات المتعاقدة مع الكلية والمراكز الطبية الجامعية في الخارج؟
وهل يجوز اعتماد ممارسات غير مهنية مع رؤساء الأقسام والخدمات المقالين، تخرج عن التقاليد والعادات والقيم التي تأسّست عليها الكلية؟

ثالثاً : خارطة طريق لإنقاذ الكلية
حرصاً منّا على مستقبل كلية العلوم الطبية وطلابها، يهمّنا أن نقترح خارطة طريق لإنقاذ الكلية تعيد الاعتبار إلى رؤساء الأقسام والخدمات المقالين، وتمكّن رؤساء الأقسام والخدمات الجدد من الاستفادة من خبرة زملائهم في هذا المجال، بما يعود بالخير على الطلاب والكلية معاً. يتضمّن الاقتراح النقاط التالية:
1. يصدر قرار عن رئاسة الجامعة يقضي بتشكيل «هيئة إنقاذ» لكلية العلوم الطبية مهمّتها:
- وضع نظام داخلي يحدّد حوكمة كلية العلوم الطبية وعلاقتها بالمستشفيات الجامعية والتعليمية، من جهة، والمعايير الأكاديمية والآليات الشفّافة المفروض اتباعها في إجراء انتخاب مجالس الأقسام ورؤسائها، كما نصّت عليه المواد 80 إلى 84، من القانون 66 ، من جهة أخرى.
- إعداد خطة عمل بالتعاون مع وزارة الصحة، تهدف إلى تفعيل المرسوم رقم 4690 تاريخ 18 آذار 1988، لاستعادة مستشفيَي »رفيق الحريري الحكومي الجامعي» و«بعبدا الحكومي الجامعي» ووضعهما من جديد بتصرّف كلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية.
- وضع نظام تفرّغ للأساتذة الأطباء في هذين المستشفيين الجامعيين، ما يعزّز الأداء في الخدمات الطبية والتعليمية على السواء.
2. تعمل "هيئة الإنقاذ" برئاسة عميد الكلية، وتؤلّف من رؤساء الأقسام والخدمات المقالين والمكلفين الجدد.
3. تجرى انتخابات مجالس الأقسام ورؤسائها، مع بدء العام الجامعي المقبل 2020-2021، وفق النظام الداخلي المصادق عليه من قبل مجلس الجامعة.
4. تدار الكلية مرحلياً ولغاية إجراء الانتخابات من قبل «هيئة الإنقاذ»، برئاسة عميد الكلية وبإشراف رئيس الجامعة.
5. تنتهي مهمات "هيئة الإنقاذ" مع إعلان نتائج الانتخابات.

الخلاصة
إن خارطة الطريق المقترحة تعيد إلى كلية العلوم الطبية أجواءها الصحّية، كما أنها تؤسّس لعلاقة زمالة مهنية شفّافة وتضامنية بين الأطباء، وتجعل الكفاءة معياراً وحيداً في التراتبية الأكاديمية. فتزيل بذلك التداعيات السلبية للقرار 452، وتكون الكلية الرابح الأوحد.
في الختام، كان لا بدّ من دقّ جرس الإنذار بعيد صدور القرار 452 لإعادة الأمور إلى نصابها في كلية العلوم الطبية.
أملنا أن يُباشر فوراً بعملية إصلاح شاملة تعيد إلى الكلية مصداقيتها تجاه المؤسسات الطبية والتعليمية كافة في لبنان والخارج، حفاظاً على مستقبل طلابها وصوناً لقدسية مهنة الطب، وخدمة لصحة المواطنين، عندئذ يعلم الجميع كلية العلوم الطبية إلى أين.

* العميد المؤسّس لكلية العلوم الطبية في الجامعة اللبنانية