أياً يكن الهدف الكامن من استهداف المؤسسات التربوية والتعليمية، فإنه مرفوض من حيث المبدأ. ليس هذا وحسب، بل من الضروري على كل من يحمل حساً وطنياً، أن يواجه هذا الإرهاب. وبتقديرنا إن عمليات كهذه، تعبّر عن البنية العقلية المتخلفة التي تحاول فرضها على المجتمع السوري، مجموعات جهادية تكفيرية. إن تركيزنا على العمليات التي تستهدف الجامعات، لا يعني أننا نتغاضى عن إدانة ورفض باقي العمليات الإرهابية.
لكننا نرى في هذه اللحظة، أنه من الضروري التركيز على مواجهة الإرهاب الذي يستهدف الطلبة والمؤسسات التعليمية، كونه يعدّ إمعاناً فاضحاً في ممارسة الجهل وتكريسه، في محاولة لإبقاء بقايا الماضي المتخلف ممسكاً بتلابيب الحاضر.
استهداف كلية الهندسة المدنية والميكانيكية (همك) في جامعة تشرين بتاريخ: 21/ 3/ 2014، وقبلها بيوم واحد، سقوط بعض القذائف في دوار الزراعة القريب من الجامعة ذاتها. ليست المرة الأولى التي يجري فيها استهداف الجامعات في سوريا. فقد استُهدف سابقاً بعض كليات جامعة دمشق وحلب والبعث. أما استهداف المدارس، حدّث ولا حرج. إذ إن آلاف المدارس تمّ تخريبها. وهذا يعني حرمان مئات الآلاف من الطلبة من حقهم في التعليم.
من المؤكد، أن الإرهاب التكفيري يرى في العلم ألد أعدائه، لأنه يكشف مدى تخلف وإرهاب الفكر التكفيري الجهادي. لهذا فإن المجموعات الجهادية التكفيرية، تعمل على ضرب كل ما له علاقة بالعلم. ويتزامن هذا مع اشتغال هذه المجموعات على نشر قيمها المتخلفة والتدميرية، التي أصبحت خارج التاريخ. وهذا يوضح كذب وتضليل هذه المجموعات التي تغلّف عنفها الأعمى بغطاء الدين. لكن ببساطة يمكن اكتشاف التناقض بين ما يدّعيه هؤلاء من تديّن كاذب، وجوهر الدين الإسلامي الذي دعا إلى تحصيل العلم ولو من الصين. وفي الوقت نفسه يكشف عمق التخلف الذي يهيمن على عقول الجهاديين ومن يناصرهم ويدافع عنهم.
ونظراً إلى تمادي الإرهابيين في ضرب المنشآت التعليمية، نرى أنه من المفيد إجراء مقارنة بين ما يقوم به، أعداء الفكر الحداثي التنويري العلماني والديمقراطي. وما كان يقوم به الثوار الفييتناميين، من أجل تعليم الأطفال، أثناء مقاومتهم الاحتلال الأميركي.
إن عودة بسيطة وسريعة إلى تاريخ الثورة الفييتنامية، تكشف لنا حرص الثوار الفييتناميين على تعليم أبنائهم. ونظراً إلى عدم توفر إمكانية تعليم الأطفال في المدارس الرسمية آنذاك، كونها كانت أحد الأهداف الأساسية إلى القوات الأميركية، فكانوا يجهزون المدارس تحت الأرض، ويجمعون فيها الأطفال ليقدموا لهم ما تيسّر من تعليم. إذ كانوا يرون في العلم والتعليم أحد القضايا التي يجب التمسّك بها تحت أية شروط، فكانوا في أشد الظروف مأساوية، يعملون على تعليم أبنائهم. وكان ذلك بالنسبة إليهم عملاً ثورياً. ولم نقل إنه كان يمثل المحور الرئيس لثورتهم ضد الاحتلال.
أما في سوريا فإن أعداء العلم والإنسانية يحاربون العلم والعلماء والمتعلمين. ويسعون جاهدين إلى ضرب العملية التعليمية، وتدمير المؤسسات التعليمية، وترهيب الطلبة، حتى يمتنعوا عن الاستمرار في تعليمهم. فكم هو التناقض عميق، بين من يحارب من أجل تعليم أبنائه، وبين من يسعى جاهداً وبكل السبل إلى القضاء على التعليم، وقتل الطلبة، وتدمير البنية التحتية للتعليم. شتان بين هذا وذاك. بين ثوار طردوا الاحتلال الأميركي وحافظوا على التعليم، وآخرين يتمسكون بالأنياب والنواجذ بدعم الأميركان لهم، ويستهدفون المدارس والجامعات بقذائفهم العمياء. ومع هذا يصرون على أنهم ثوار.
ونتساءل هل يرى من يقوم بهذه العمليات، أنه سيُسقط النظام فيما لو قضى على التعليم! أم أنه لا يرى من العلم إلا ما يريد هو من القرآن الكريم، وبالتحديد الآيات التي تحض على «الجهاد»، وهذا لا يحتاج إلا إلى الجوامع وبعض من يدّعي تمثيل الإسلام زوراً وبهتاناً! ألا يتبادر إلى أذهان هؤلاء، أن الطلبة السوريين، سيتمسكون بحقهم في التعليم كلما ازداد إرهاب هذه المجموعات!
إن تصميم شبابنا على متابعة دراستهم، سوف يفتح آفاق مستقبلنا على التقدم والتطور والتحرر. ويجعل من كل شهداء العِلم شموعاً تنير دروب المستقبل.
* باحث وكاتب سوري