تنصّ المادة 112 على «أن المقاعد المخصّصة في مجلس النواب لغير المقيمين هي ستة، تُحدّد بالتساوي ما بين المسيحيين والمسلمين، موزّعين كالتالي: ماروني – أرثوذكسي – كاثوليكي - سني – شيعي – درزي، وبالتساوي بين القارات الست».وبالتدقيق في هذه الصيغة نجد أن النصّ لم يقيّد كل مقعد من المقاعد المذهبية الستة بقارة محددة.
أي أن الترجمة العملية لهذه الصيغة هو الآتي: تتألف كل لائحة مكتملة في انتخابات الخارج من ستة مرشحين من المذاهب المذكورة في المادة 112 وذلك بمرشّح عن كل قارة.
وبالنتيجة، فإن كل لائحة «مكتملة» أو «غير مكتملة» لها حرية أن تحدّد لكلّ مرشح من هذه المذاهب القارة التي تناسبها على أن لا يتكرّر المذهب أو تتكرّر القارة في لائحتها بأكثر من مرشح واحد. كما يظهر في نموذج جدول رقم (1)

يتبيّن من نموذج الجدول السابق بعد تطبيق الشرطَين المعتمدَين في استيفاء المقاعد الفائزة (مقعد شاغر ولائحة لم تستوفِ حصتها)، أن اللائحة «ب» استطاعت استيفاء مقعدَيها، فيما عجزت اللائحتان المنافستان («أ» و«ج») عن ذلك رغم أنهما مكتملتان، حيث فازت كلّ لائحة منهما بمقعد واحد فقط، فيما لم يتبقَّ في الجدول من مقاعد يمكن استيفائها لاستكمال حصتيهما.

طبعاً الإشكالية هنا ليس سببها التركيبة الافتراضية للجدول رقم (2) حيث يمكن أن يقال إن ذلك قد يكون نادر الحدوث، ذلك أن العكس هو الحقيقة تماماً، فإن ما يمكن أن يكون نادر الحدوث هو أن تسمح هذه الصيغة للوائح المؤهلة أن تحصل على حصتها من المقاعد ولو كانت مكتملة. وسبب الخلل في هذه الصيغة جليّ وواضح، لأنه عندما يتم استيفاء المقعد من الأعلى لمصلحة أيّ لائحة يجري شطب عدد من المرشّحين الموجودين في اللوائح المنافسة من دون أن يكون هؤلاء المرشحون منافسين فعلاً للمرشح الذي فاز أو المقعد الذي تم استيفاؤه، بمعنى أنهم ليسوا أنداداً له في اللوائح الأخرى، إذ يكفي أن يتطابق المذهب أو القارة حتى تحصل عملية الاستبعاد هذه. مثال ما جرى مع المرشحين (10 و11 و13 و18) حين فاز المرشح رقم 1 (شيعي أفريقيا) من اللائحة «أ»، رغم أن أحداً من المرشحين الأربعة الذين تم استبعادهم لم يكن مرشّحاً شيعياً عن القارة الأفريقية.
هذا فضلاً عن أن الخلل في الصيغة يبقى خللاً ولو كانت مشاكله نادرة طالما أنها ممكنة الحدوث. وهذه القاعدة ثابتة في النظم الانتخابية.
لذا يجب تعديل هذه الصيغة في حال تقرّر تخصيص 6 مقاعد مذهبية لدائرة «اغترابية» بأحد الخيارات الآتية:
الخيار الأول: أن يجري تخصيص كل قارة لمذهب معين... وهذا الخيار لعله الأنسب لمعالجة المشكلة إذا كان من الثوابت تمثيل المذاهب بالتساوي مع تمثيل القارات.
الخيار الثاني: أن يكون تمثيل القارات شرطاً عند تشكيل اللوائح (مرشح عن كل قارة) وليس عند استيفاء النتائج، حيث يمكن لأي قارة أن تحظى بأكثر من مرشح من دون أن يمسّ ذلك بتمثيل المذاهب. وهذا الخيار رغم أنه يتجاوز الإشكالية المطروحة، ولكن قد يكون من نتائجه عدم تمثيل كافة القارات في الانتخابات. وفي المثال السابق مثلاً قد تتمثل قارة أستراليا بثلاثة مقاعد فيما لا تتمثل قارتا أوروبا وأميركا الشمالية بأيّ مقعد.
الخيار الثالث: أن يكون تمثيل المذاهب والقارات شرطاً عند تشكيل اللوائح، ولكن ليس عند استيفاء النتائج حيث يسقط التوزيع المذهبي والمناطقي معاً في النتائج، إذ يمكن أن يفوز مرشحون عن مذهب معيّن بقارة معينة أو بأكثر من قارة والعكس صحيح. وهذا الخيار قد ينسف كلّياً مبدأ تمثيل المذاهب والقارات الست في الانتخابات.
وكذلك يمكن أن يفتح باب المعالجة على خيارات أخرى منها الاقتراع وفق النظام الأكثري بصيغة الصوت الواحد غير المتحول أو صيغ أخرى لن نستطرد في عرضها.
ولا بدّ من التنويه هنا، إلى أننا أشرنا بداية إلى وجود خلل يستدعي تعديلاً على المادة 112 من القانون، لكننا لسنا من المؤيدين لوجود دائرة انتخابية تخصّ المغتربين بعد أن صار بإمكانهم الاقتراع في الخارج، لأن ذلك:
1. يمسّ بالمساواة بين اللبنانيين، في ظل وجود فئة كبيرة منهم لا تستطيع خوض الانتخابات في الخارج بل يتعرّض مؤيدوها للملاحقة.
2. أثبت فشله لوجستياً وعلى مستوى تفاعل المغتربين في الانتخابات الأخيرة.
لكن في حال تقرر المضي في هذا التوجه. ومع الأخذ في الاعتبار ما ورد في المادة 111 من القانون الانتخابي الحالي والمواد التي تلتها حتى المادة 125، التي تتضمن آلية الاقتراع الخاصة بهذه المقاعد وتحدد دول الاغتراب على أنها دائرة انتخابية واحدة وتخضع للنظام الانتخابي النسبي كما هو الحال في اقتراع المقيمين.
لذلك، فإن اعتماد دول الاغتراب بمثابة دائرة انتخابية واحدة وفقاً لنظام الانتخاب النسبي كما ورد في المواد المذكورة يتوقف على أمرين:
الأول: إجراء التعديل المطلوب في الصيغة الواردة في المادة 112 ضمن أحد الخيارات التي عرضناها سابقاً لمعالجة الإشكالية التي تعتري هذه الصيغة. علماً أن الخيار الأول فقط يمكن من خلاله الحفاظ على تمثيل متساوٍ بين المذاهب والقارات... ولكن قد لا يكون محلّ توافق بين الأطراف كافة.
الثاني: إصدار المراسيم التطبيقية التي أشارت إليها المادة 124 والتي تنص على أن «تحدد دقائق تطبيق هذا القانون بمراسيم تُتخذ في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات».

* باحث وخبير انتخابي