يمكن تحليل موقف القيادة السياسية لـ «حماس» من الأزمة السّورية عبر عدّة زوايا، ولكن ليس من بينها التفسير الذي يروّج له عددٌ من قادة الحركة ومنظريها ــــ في مخاطبة جمهورهم ــــ من قبيل أنّهم اتخذوا خياراً «نبيلاً» و«مبدئيّاً»، معلّلين كلّ النتائج الوخيمة لتورّطهم في سوريا بأنها «تضحية»، كانوا يعرفون ثمنها مسبقاً، وهم قدّموها صاغرين في سبيل الشّعب السّوري (وأجرهم عند الله).
في الأزمنة العربية العصيبة التي نعيشها، أقلّ ما يلزم هو حدٌّ أدنى من الصّراحة والصدق مع الذات والتاريخ: وقوف «حماس» مع المعارضة السّورية، وخروجها من دمشق، وفعلها لما هو أكثر، لم تكن له علاقة لا بالمبدئيّة ولا بالتضحية، وهو ما يتبدّى بمجرّد وضع الحدث في سياقه، بدلاً من النظر اليه بعين الحاضر.
حين اتخذت «حماس» موقفها من دمشق، فعلت ذلك وتنظيم «الاخوان» يحكم قوساً يمتدّ من تونس الى مصر، ويبدو على وشك ضمّ سوريا ودول أخرى اليه. اختارت القيادة خندقها معتقدةً انّها تنحاز الى المعسكر الرابح، وهنا لبّ المسألة. كانوا مقتنعين بأنّ النّظام السّوري سيسقط قريباً، وانهالت عليهم الاغراءات، فمارسوا اقدم العادات السياسيّة العربيّة (وأجسمها كلفةً): انساقوا في رهان.
بغضّ النظر عن الدوافع الذّاتيّة والايديولوجيّة التي قد تقف خلف خيار القيادة (وكل الاحتمالات اسوأ من بعضها بعضا)، فانّ «حماس» هي التي كانت في دمشق حين كان الانتماء الى «الاخوان» جريمة عقابها الاعدام، ومسؤولوها هم الذين كانوا يعقدون الاجتماعات الطويلة مع ضباط الاستخبارات، ويدبّجون قصائد المديح في النظام (عودوا الى الأرشيف، لا يمكن وصفها بما هو أقلّ من ذلك). لهذه الأسباب كلّها، فإن من الصّعب ادّعاء المبدئية تبريراً لمن طمح الى موت من كانوا، في الأمس القريب، حلفاء له.
بالامكان تفهّم كلّ الخيارات ونقاشها. ما لا يمكن احتماله هو الزّيف والكذب واللغة المزدوجة. بمقاييس المنطق والوفاء والاخلاص، فانّ ما فعلته «حماس» في دمشق كان خيانةً على مستوىً ملحميّ، وهذا واقعٌ على القيادة السّياسية أن تتعايش معه، ولا امكانيّة لتجميله. وأنت، إن أقنعت نفسك بهذه السرديّات السّاذجة، فانّك لن تقنع السوريين. صحيحٌ أنّ بشّار الأسد كان يدعم حماس، ولكنّهم، ببساطة، طمعوا بمن يدعمهم أكثر. كانوا كمن باع آخرته بدنياه، فخسر الاثنتين، ولا داعي إلى اعطاء الأمر ابعاداً بطولية؛ لا يكفي أن يفشل رهانك حتى تصير نبيلاً.
9 تعليق
التعليقات
-
لاشك أن الجانب البنيويلاشك أن الجانب البنيوي للمقالة يمنح انطباعا بالبعد الموضوعي التي تتحلى به وخاصة عندما تمت الاشارة الى (تعدد الزواية والدوافع الذّاتيّة والايديولوجيّة). وعلى الرغم من ذالك الترابط السردي للمقالة الا انها لا تغدو سوى وجهة نظر تحليلية مبنية على احكام مطلقة تجلت في مجموعة من الصفات تضمنتها الفقرة الاخيرة تحديداً (الزّيف والكذب واللغة المزدوجة \ منطق الوفاء والاخلاص والخيانةً "الملحمية" الخ... سعى الكاتب تمريرها من خلال سردية للاحداث لا تخلو من المنطق بطبيعة الحال، مطلقاً أحكامه في الوقت ذاته وبشكل مسبق على اي سردية أُخرى واصفا إياها "بالسذاجة و بانها لن تقنع السوريين" بالفعل ما من سردية اليوم تستطيع ان تقنع السوريين، سواء اتسمت تلك السردية بالسذاجة او بالمنطق بما فيها هذه المقالة، بعد كل هذا الجحيم الذي نعيشه والذي طالت سنواته. كما انني لا أريد الغوص في متاهات التفاصيل (الارشيف و رجال المخابرات) الذي انساق اليها الكاتب و التي من شأنها إضعاف المقالة وتأتي بالنتائج المعاكسة لها، كمن يدعو لتقييم حركات المقاومة ومنحها صفات الوفاء والاخلاص والصدق استنادا للفواتير التي يتوجب دفعها لداعميها لا استنادا لمدى فعلها المقاوم . وفي النهاية ما الغاية في السعي لاظهار اللونين الاسود والابيض في غرفة حالكة الظلام، تحديداً في هذا الوقت؟ صدقت عزيزي الكاتب عندما قلت "لا يكفي أن يفشل رهانك حتى تصير نبيلاً". عذراً أخي عامر لا شك ان قلمك لامع إلا انه لم يكن ثاقباً هذه المرة
-
الشرح الوافيوتبقى قضية فلسطين هى البوصلة و اهمالها سبب تعاسة العرب. و لا تقاس القضية بفصيل و هو في حالة مجابهة مع العدو الرابض للجميع بدون استثناء.
-
دائما كنت أراها و أسميها خيانةدائما كنت أراها و أسميها خيانة ، و أحيانا خلال النقاشات مع الأهل و الأصدقاء ، كان بعضهم يحاول أن يقنعني بأنها ليست خيانة يقولون لي " في السياسة لا يوجد شيء اسمه خيانه ، يوجد انحياز للمصالح " ،كنت أجيبهم " اذا كان كلامكم صحيحا فعرفولي معنى الخيانة في اللغة العربية "و كنت أضيف بأنه "عندما تكون الحركة دينية تصبح الخيانة أقوى و أوضح ، لان الإنتماء الى حركة دينية يوجب ضمنا أخلاقيات عالية ". يا أستاذ عامر : المقالة القادمة نريدها عن خيانة المثقفين " المخلصين" لسوريا ، دعني أوضح : عندما تكالب نصف العالم على سوريا لذبحها ، لماذا كان معظم المثقفين و الكتاب و الشعراء و الناس الشريفة تقف في منتصف المسافة بين الحكومة السورية و المعارضة ، ألم يكن المطلوب هو الإنحياز الكامل لجهة الحكومة من أجل حماية سوريا ، ألم يكن التراخي في هذا الموضوع خطيرا ؟!
-
صفر وفاء... و إحدى نماذج البشاعة التبريرية عند حماس هو قول أبو مرزوق ان مشعل حمل علم مرتزقة فورد "بالغلط" ظانّاً إيّاه العلم الفلسطيني، .... أليس هذا التبرير إهانة لكلّ الشعب الفلسطيني أن لا يعرف قائد مقاومتهم علم بلاده ؟