موضوع الاعتقال الإداري الذي تنتهجه إسرائيل بشكل تعسفي يرقى إلى مصاف العقاب الجماعي«القانون لا يُجدي نفعاً ولا يقدّم شيئاً للقضية الفلسطينية»! عبارةٌ متداولةٌ حتى صارت عُرفاً وقناعةً راسخةً تساهم في وأد سبيلٍ مهمٍّ من سبُل النضال، وأحد أسلحته القوية، وهو القانون الدولي. في المقابل، فإنّ «إسرائيل»، الكيان المُخترع، والدولة القوية بكل سُبُل القوة الممكنة، تُجنّد جيشاً من الخبراء القانونيين لتعزيز قوتها العسكرية ومصالحها السياسية المشتركة بهذا السلاح، الذي يُفترض أنّ الأوْلى بالمظلومين التسلّح به.

في البحث عن الوضعية القانونية للأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، الذي دعمته وقدمت منحته مشكورةً مؤسسة عامل الدولية ــ بيت عامل لحقوق الإنسان، تتصدر لائحة العوائق ندرة المراجع والمصادر الفلسطينية والعربية عموماً في تناول قضيةٍ وطنيةٍ إنسانيةٍ بحجم قضية الأسرى من زاوية القانون الدولي. ويبرز التحدي الأكبر في وفرة المراجع والآراء الإسرائيلية المُسنّدة والموثقة لتبرير المبدأ الإسرائيلي في التعامل مع هذه القضية بما لا يظهرها مخالفةً لأحكام القانون الدولي بكل فروعه.
فالمصلحة الإسرائيلية متواصلة في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين باعتبارهم سجناء جنائيين، يُحتجزون ويحاكمون ويسجنون لارتكابهم مخالفات جنائية وفق القوانين الإسرائيلية.
ولا ترضى إسرائيل بالتعامل معهم بوصفهم، أو أعداداً منهم، أسرى حرب، وذلك لنزع الصفة النضالية الشرعية عن مشاركتهم في الأعمال القتالية، وحصر صفتهم القانونية بخانة الإرهاب أو المقاتلين غير الشرعيين، وبالتالي المجرمين الذين لا يمكن أن تصنّف وضعيتهم وفق القانون الدولي.
المطلوب أولاً الاقتناع بجدوى هذا السلاح القانوني في المعركة الإنسانية النضالية ضد المحتل، ومن ثم يكفي حدٌّ أدنى من التفرّغ والفرصة للخوض في غمار تفكيك المواقف الإسرائيلية القانونية، والرد عليها بموضوعية واحتراف علمي.
ومن هنا، فالسبيل مُتاحٌ أيضاً للارتقاء بهذا السلاح إلى ما قد يؤرّق العدوّ عبر هيئات القضاء والقانون الدوليين. فلماذا لا نعثر على مطالبةٍ جديةٍ بوضعية أسرى الحرب لأسرانا، مع أنّ القانون الدولي الإنساني واضح وصريح وفيه من المداخل الكثير مما يدحض المزاعم والتفسيرات الإسرائيلية بهذا الخصوص، بدءاً بإثبات وضعية النزاع المسلح الدولي والاحتلال العسكري، ثم انطباق ونفاذ نصوص القانون الدولي الإنساني والإلزام القانوني لإسرائيل بها، وصولاً إلى تأكيد صفة المقاتلين الشرعيين على أسرانا وتوفر شروط أسرى الحرب فيهم، مما يتيح لنا المجال في مقارعة إسرائيل جدياً بالدليل والبرهان القاطع في هذه القضية.
كما أنّ موضوع الاعتقال الإداري الذي تنتهجه إسرائيل بشكل تعسفي يرقى إلى مصاف العقاب الجماعي، يفتح المجال واسعاً أمام إدانة قانونية مؤكدة لإسرائيل في انتهاكها وتحريفها جوهر القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان لما يخدم توجهاتها ومصالحها.
ذلك عدا موضوع السجون والمعتقلات وما يمكننا إثباته من خلال دراسة أوضاعها والممارسات الإسرائيلية فيها، ففي ذلك أطروحات ممكنة لإدانة إسرائيل ومحاسبة المسؤولين فيها عن هذه القضايا أمام المحافل القانونية الدولية.
كان ذلك الغاية الأهم من البحث القانوني حول «وضعية الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية»، إذ كان الهدف إبراز حقيقة قانونية جلية يمكننا من خلالها توظيفها وحُسن استغلالها وتطويرها، لتكون في آلياتها وأهدافها مساهمةً إضافيةً من منطلق عصري مُحِقّ في المعركة المتواصلة مع الظلم الإسرائيلي.

* باحث فلسطيني (المقال تقديم لدراسة «وضعية الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية» التي اعدها الكاتب برعاية بيت أطفال الصمود ومؤسسة عامل وقدمت في 20 كانون الثاني الجاري في مخيم مار إلياس للاجئين في بيروت، أنقر هنا للنسخة الكاملة للدراسة)