مفهوم الممرات الإنسانية الناتج من القانون الدولي الإنساني هو إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى منطقة فيها حرب عن طريق المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر الدولي. فاتفاقيات جنيف لعام 1949، وهي المرجع الأساس للقانون الإنساني، تُلزم الدول في زمن الحروب الدولية ببعض الواجبات؛ فالمادة 23 من الاتفاقية الرابعة تطرح مبدأ «حرية مرور المساعدات المتضمنة الأدوية والمواد الصحية والأغذية والثياب، للسكان المدنيين».لكن هذه الالتزامات تصبح محدودة ومقيدة عندما تصبح قافلة المساعدات عُرضة لتحويل مسارها عن وجهتها الصحيحة أو إن كانت مراقبة هذه القوافل غير فعالة، وأخيراً عندما يستطيع الخصم أن يستفيد منها عسكرياً. لكن بالمقابل تستطيع الدولة التي سمحت بدخول القوافل الإنسانية أن تطلب رقابة دولة محايدة أو منظمات محايدة كالصليب الأحمر الدولي.
إنّ البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف لسنة 1977 يكمل هذه الأحكام مُحدداً بأنّ «عروض النجدة والمساعدة» يجب أن لا تُعتبر تدخلاً في النزاع خاصة إذا استوفت شروط الحياد والتجرد. غير أنّ هذا المبدأ أيضاً مقيّد، فالدولة الموافقة على دخول المساعدات يمكنها أن تفرض بعض القيود التقنية، وأن تقوم بالتدقيق وفحص المساعدات. بالإضافة إلى أنّ جود مجموعة الموظفين للمساعدات خاضع لموافقة مسبقة من الدولة المعنية.
كذلك الأمر في النزاعات والحروب غير الدولية، فالمادة 18 من البروتوكول الإضافي الثاني عام 1977 يطرح مبدأ موافقة الدولة المعنية، إذ ينص على أنّ أعمال النجدة لصالح السكان المدنيين ذات طابع إنساني فقط وحيادي، وتتمّ بالاتفاق مع الدولة المعنية.
يظهر مما تقدم أنّ أية مساعدة إنسانية تصبح مؤكَّدة برضا الدولة المعنية التي ستمر بها المساعدات. لذلك يتضح عملياً أنّه في النزاعات الدولية وغير الدولية، تخضع الممرات الإنسانية لمفاوضات شاقة بين المنظمات الإنسانية والدولة المعنية. من هنا جاء تدخل الأمم المتحدة لمساندة هذه المنظمات في فتح ممرات إنسانية بواسطة بعض القرارات التي صدرت من جانب الأمم المتحدة.
إن أوّل نص رمزي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يتعلق بالوصول إلى ضحايا النزاعات المسلحة هو القرار رقم 131/43 الصادر في 8 كانون الأول عام 1958 وعنوانه: «المساعدة الإنسانية لضحايا الكوارث الطبيعية». أكد النص مسؤولية الدولة المعنية أولاً، ودعاهم إلى تسهيل المساعدات الإنسانية إذا كانوا لا يستطيعون تأمينها. ويؤكد القرار أنّ المساعدات يجب أن تحترم مبدأ الإنسانية والحيادية والتجرد. وإذا كان هذا القرار أكَّد على المبادئ، فإنّ القرار 100/45 في 14 كانون الأول عام 1990 وضَّح طرق احترام هذه المبادئ عندما دعا الأول إلى فتح ممرات إنسانية مؤكداً حق المرور للمساعدات شرط أن يكون هدفها إنسانياً، ولمساعدة السكان المدنيين فقط. وعلى الرغم من صدور هذين القرارين فإنّ الدول بقيت متعلقة بسيادتها وبالتالي نُزعت عن القرارين قوتهما الإلزامية.
آخذاً المسار نفسه الذي قامت به الجمعية العامة، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارات تؤكد على حرية مرور المساعدات وتأمين أمن مجموعة الموظفين القائمين بالمساعدات بمناسبات عديدة في النزاع العراقي (1991)، والصومالي (1992)، وفي ليبيريا ويوغوسلافيا، ورواندا وأنغولا، وأخيراً في الموزامبيق وليبيا. داعياً الأطراف وناصحاً إيّاهم أن يؤمنوا حرية مرور المساعدات للسكان المدنيين.
وإنّ المدافعين عن التدخل الإنساني رأوا في هذه النصوص والقرارات التي صدرت عن الأمم المتحدة في ما خصَّ حق مرور المساعدات الإنسانية تكريساً لعرف دولي، إلا أنّه يبقى غير إلزامي نظراً لتعلق الدول بسيادتها الوطنية والتي تبقى حجر الزاوية في القانون الدولي.
في تقرير للأمين العام للأمم المتحدة في تشرين الاول 2003، أكَّد صعوبة تأمين وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين وخاصة في النزاعات الداخلية بسبب العنف الحاصل، ووجود المسلحين كما هي الحال في سيراليون والكونغو ودارفور حالياً. لذلك اقترح الأمين العام في تقريره إيجاد ممرات إنسانية آنية عن طريق المفاوضات وأكَّد على إيجاد ساعات هدوء وفض اشتباكات ووقف نار لوصول المساعدات، كما اقترح تهديد الأشخاص الذين يعوقون وصول المساعدات بإحالتهم إلى محكمة الجزاء الدولية.
لكن يبقى، وفي حال التفاوض، أنّ هذه الممرات تبقى عُرضة للخطر خاصة في النزاعات الداخلية، لذلك تمَّ اقتراح قوات دولية من الأمم المتحدة أو قوى إقليمية أو متعددة الجنسية لحماية هذه الممرات الإنسانية. وبالفعل لقد قامت الأمم المتحدة بنشر قوات حفظ سلام سُمح لها باللجوء إلى القوة في بعض الظروف لتأمين وصول المساعدات. هذا ما حصل في النزاع اليوغسلافي، فالقراران 764 و770، الصادران عن مجلس الأمن في 1992 نصَّا على تحييد المطار في سراييفو وتأمين ممرات إنسانية تحت حماية قوات الأمم المتحدة FORPRONU من أجل وصول المساعدات الإنسانية للمدن المحاصرة. كذلك فعل مجلس الأمن في الصومال، فقوات الأمم المتحدة المنتشرة في هذه الدولة كُلِّفت تأمين وصول القوافل الإنسانية وأعطى القرار رقم 794 سنة 1992 لهذه القوات حقّ استعمال القوة إذا استدعى الأمر.
كذلك الأمر في القرارات: رقم 1270 سنة 1999 في سيراليون، وليبيريا سنة 2003، وفي العام 2006 كُلِّف الـ FINUL في جنوب لبنان تقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين وتأمين ممرات إنسانية لكن إسرائيل رفضت تأمين أمن هذه الممرات.
على الرغم من كلّ هذه القرارات فإنّ تأمين الممرات الإنسانية بقي من المواضيع الشائكة في الأمم المتحدة نظراً إلى الظروف الطارئة التي تحيط بهذا الموضوع كصعوبة إيصال المساعدات، ووجود العصابات المسلحة، وعدم وجود بنية تحتية في بعض الدول وأحياناً الظروف الأمنية غير الملائمة، كلّها أدت إلى فشل المساعدات الإنسانية. وهذا ما حصل في الصومال سنة 1992 مع القوات الأميركية التي دخلت تحت عنوان «Restore Hope»، او إعادة الأمل.
من هنا بدأ مجلس الأمن منذ التسعينيات من القرن الماضي، ومن أجل مساعدة المدنيين، اللجوء إلى الفصل السابع من الميثاق من أجل السماح لقوات حفظ السلام باستعمال القوة، وهذا ما حصل في دارفور وفي سيراليون. لكن يبقى الشق الثاني من العمليات تحت العنوان التقليدي وهو طريق المفاوضات أولاً لتأمين موافقة الدولة المعنية على فتح ممرات إنسانية. لذلك يقول بعض الخبراء إنّ مجلس الأمن بهذه الطريق أنسن الفصل السابع وأدخله ضمن مبدأ الدفاع المشروع عن النفس من أجل تفعيل قوات حفظ السلام في فتح الممرات الإنسانية. لذلك فإنّ إصرار مجلس الأمن على تأمين ممرات إنسانية ومساعدة المدنيين يُظهر أنّ هذه العمليات ستستمر وهذا ما أكده القرار رقم 1674 سنة 2006 الذي نصَّ على حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية فقط.
يتبيّن مما تقدم أنّ قوات حفظ السلام أصبحت عامل حسمٍ في فتح الممرات الإنسانية وتقديم المساعدات، لكن استعمالها للقوة، حسب الفصل السابع، يفقدها أحياناً جزءاً من حياديتها وتجرُّدها ويجعلها خاضعة لمبدأ استعمال القوة المسلحة حتى وإن كانت مشرَّعة من المجتمع الدولي ومجلس الأمن.
أخيراً، فإنّ الوضع في سوريا يعطينا خير مثال عن الممرات الإنسانية، فاقتراح فتح ممرات إنسانية من قِبل فرنسا وتركيا تمَّ إسقاطه بفعل المعارضة الروسية أولاً، ورفض سوريا ثانياً، معتبرين أنّ هذه الممرات ستكون سبباً مباشراً للتدخل في الشؤون السورية الداخلية، كما أنّها ستؤدي إلى ازدياد خطورة النزاع المسلح في سوريا. لكن الموضوع، حتى الآن، لم يُطرح جدياً في مجلس الأمن من أجل تأمين تغطية دولية أولاً، ولا التدخل الإنساني المنشود من بعض الدول، ما خلا القرار الذي اتخذ في مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وكان فعّالاً. كما أنّ الخيار العسكري الذي طُبق في ليبيا بحجة حماية المدنيين مستبعد في سوريا حتى الآن تحت ذريعة صعوبة هذا الخيار بسبب قوة النظام وتفكك المعارضة الخارجية والداخلية، وتراجع بعض الدول عن مواقفها المتصلبة كتركيا وفرنسا وأميركا، مع العلم أنّ هذه الدول لم تُلزم إسرائيل يوماً بفتح ممرات إنسانية في غزة أو تأمين وصول مساعدات إنسانية بالرغم من الحصار المفروض على غزة منذ 5 سنوات.
* أستاذ في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية