ليس هناك حاجة إلى إقرار الجهات المتخصصة في إسرائيل بمستوى الاحتراف والشجاعة الذي يتحلى به منفذو عملية أسر المستوطنين الثلاثة في الضفة المحتلة بغض النظر عما ستؤول إليه العملية لاحقاً. لذلك فإن أصل العملية ونجاحها في البقعة الجغرافية التي يرى فيها جيش الاحتلال واستخباراته أنهما يسيطران على كل ما يجري فيها، كان لهما وقع الصدمة النفسية والسياسة والأمنية، على المستويات الرسمية والشعبية كافة.
كل هذا انعكس على تقديرات وتحليلات المعلقين الذين تراوحت بين من اختار التركيز على توقيت العملية لجهة أنها أتت بعد توقف المفاوضات وفي ظل تصدّر قضية الأسرى اهتمام الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية، ومن رأى أن الوقت ملائم لتحميل كل من بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون المسؤولية عما جرى. كذلك ذهب بعضهم نحو إصدار الحكم بفشل الأجهزة الاستخبارية التي جرت العملية تحت «راداراتهم».
توقف المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عند التوقيت الذي نفذت فيه عملية الأسر، مشيراً إلى أنها أتت في ظل معطيين أساسيين، هما «الشرخ» بين إسرائيل والسلطة على خلفية إخفاق المفاوضات، وإضراب الأسرى الإداريين في السجون. ورأى أن العملية تشكل اختباراً أمنياً مركباً لحكومة نتنياهو «لم يواجه مثله في السنوات الخمس الأخيرة التي تولى فيها رئاسة الحكومة».
ولفت هرئيل إلى أن تجارب عمليات الأسر في الضفة خلال 15 سنة مضت انتهت بقتل الإسرائيليين «انطلاقاً من أن الظروف الميدانية في الضفة تختلف كلياً عن تلك في غزة، وذلك لجهة أن جيش الاحتلال يملك القدرة على الوصول إلى أي مكان فيها، فضلاً عن شبكة واسعة من عملاء الشاباك إلى جانب التعاون الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية».
من جهته، حمّل المعلق الأمني في «هآرتس»، أمير اورن، كلاً من نتنياهو ويعلون المسؤولية عن أسر المستوطنين الثلاثة، ورأى أنه في حال خابت الآمال وتبين السبب الذي حفّز منفذي عملية الأسر، «فستوضع السكين على أعناق وزراء الحكومة الإسرائيلية الذين دفعوا قبل أيام قليلة بقانون يمنع تحرير أسرى فلسطينيين محكومين بالمؤبدات وإجراء مفاوضات مع منظمات معادية لتبادل الأسرى». ولفت اورن إلى أنه في حال كشف «الشاباك» أن حافزية الخاطفين لها علاقة بسن هذا القانون، «فإن على نتنياهو ويعلون وآخرين الاستقالة فوراً، لأنهم أثبتوا حماقة لا نظير لها».
في المقابل، توقف المعلق الأمني في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، عند الإخفاق الاستخباري الذي كشفته العملية، ورأى أن نجاحها يثبت وجود عيوب استخبارية لدى الأجهزة الإسرائيلية، مشيراً إلى أن أسر ثلاثة مستوطنين يؤكد أن من شارك في هذه العملية أكثر من شخص.
إلى ذلك، رأى المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، أن فرضية الأجهزة الأمنية التي تقول إن المستوطنين الثلاثة على قيد الحياة هي افتراض تقليدي، «لكنه ليس بالضرورة افتراضاً مهنياً». معتبراً أن الثغرة الاستخبارية في هذه العملية أكثر عمقاً ممّا نتصور. وأوضح أن استخدام الصيغة العسكرية التي تقول إن «القضية قد تستغرق عدة أيام أخرى» لا يعني تخفيض سقف التوقعات فحسب، «بل يدل على أن الأجهزة الأمنية تبحث في الظلام عن طرف خيط». وأكد فيشمان أنه منذ اللحظة التي دخل فيها الشبان إلى السيارة، اعتبرت العملية ناجحة، لافتاً إلى أن اختطاف ثلاثة أشخاص في سيارة تتسع لخمسة ركاب «غير مسبوقة وتعبّر عن حجم الإخفاق الأمني». أيضاً فهو شبَّه محاولة الاحتفاظ بثلاثة مخطوفين في الضفة بـ«التسلق على سطح قيادة الشاباك في منطقة القدس، انطلاقاً من فرضية أنهم لا يشاهدونك»، مشدداً على أن هذه العملية تحتاج إلى تخطيط معقد وسري يتطلب الكثير على أيدي مهنيين مجربين، «ويتطلب أيضاً كميات غير طبيعية من الغذاء والأدوية».
أما شمعون شيفر، فانتقد في «يديعوت أحرونوت» قرارات نتنياهو المتعلقة بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في السجون خلال عملية التبادل الأخيرة، ودعاه إلى تحمّل المسؤولية الكاملة عن دوره في انهيار مفهوم الأمن الذي قاده في السنوات الأخيرة، معتبراً أن إطلاق سراح الأسرى جماعياً وإجراء مفاوضات غير مباشرة مع «حماس» من خلال إضعاف السلطة «ليس إلا نتيجة مباشرة لسياسته». وأضاف شيفر: «الطابع الدائم لرئيس الحكومة في تحميل المسؤولية عن كل فشل على المجتمع الدولي، كما في المسألة الإيرانية، أو طرح مطالب غريبة على السلطة، ثم اتهام أبو مازن، أدت كلها إلى جعل الجيش يطارد في اليومين الأخيرين خلية إرهابية واحدة».
في موازاة ذلك، رأى بن كسبيت، في صحيفة «معاريف»، أن كل التجارب العالمية تؤكد أنه «لا يمكن منع تنفيذ عمليات اختطاف جنود إسرائيليين، وإذا كان ذلك صعباً فيكون دور المواطنين الإسرائيليين». ولفت إلى أن الدافع لتنفيذ مثل هذه العملية كان في مرحلة الذروة، مشدداً على أن السؤال لم يكن: «هل سيختطف إسرائيليون بل متى سيكون ذلك؟». ورأى أنه بعدما تراجعت قدرة فصائل المقاومة على تنفيذ عمليات «انتحارية»، لم يبق لديها وسيلة لإخضاع إسرائيل سوى تنفيذ عملية أسر. وأوضح أخيراً أن الفلسطينيين يدركون أن إسرائيل تبدأ المفاوضات بصوت مرتفع، «لكنها دوماً تنهيها بصوت هزيل».