تحضّ الوحشية الإسرائيلية وما تشهده فلسطين المحتلّة وغزة، في التاريخ الممتد وراهناً، على التساؤل والتفكير في طبيعة الشخصيات الإجرامية وخلفياتها، في الكيان الغاصب والعالم، التي تخطّط وتنفّذ أو تدعم المجازر وجرائم ضد الإنسانية، من زاوية علم النفس.جوهر الموضوع اقتصادي- سياسي، ولا سيما أنّ المطامع الإسرائيلية توسّعية واستيطانية، إضافةً إلى نهب المنطقة وثرواتها والسيطرة عليها (في صميم الأهداف). لكن من جهةٍ أخرى، فإنّ شخصيةً مثل نتنياهو، أو القادة الذين يدعمون آثامه وفظائعه في العالم تُقارَب أيضاً من منظار علم النفس. وقد أشار «المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية- نفسانيون» إلى أنّ السبب الرئيسي للتّْروما السيكولوجية وتْروما الحرب في منطقتنا هو المعتدي السيكوباتي: الاحتلال الإسرائيلي.

(أنطوني غارنر ـ بريطانيا)

وأفادنا الاختصاصي في علم النفس العيادي والمعالج النفسي، إيلي أبو شقرا، بأن الإنسان، وفقاً لبعض نظريات التحليل النفسي، «يولد وفي داخله نزعتان: نزعة الحياة ونزعة الموت. نزعة الحياة تسعى إلى المؤالفة، ونزعة الموت التي تنحو باتجاه التفريق. في النموّ الطبيعي، تتغلّب نزعة الحياة على نزعة الموت، التي يبقى منها جزءٌ عدائيّ يهدف إلى حماية الذات وحماية النوع. إلّا أنّ بعض الأشخاص ولأسبابٍ متعدّدة فطرية ومكتسبة، تغلب لديهم نزعة الموت وتتحوّل إلى عدائية متوجّهة لا إلى حماية الذات والنوع فقط، بل إلى تدمير الآخر. وأضاف: «هؤلاء يمكن تصنيفهم ضمن شخصيّتين: الشخصيّات النرجسية التي تنظر إلى الآخر على أنّه إن لم يكن مغلوباً فهو غالب، فالنرجسي يرى أنّه إن لم يكن غالباً فهو مغلوب، وبذلك إنّ كلّ من يخالفه الرأي يكون عدوّاً مهدِّداً يجب إلغاؤه. أما الصنف الثاني، فهو الأخطر، ويتمثّل بالشخصيّة السيكوباتيّة. هذه الشخصيّات تفتقد إلى الإحساس بالذّنب وتتمتّع بأذيّة الآخر وتعذيبه، وبالتالي هي تنتظر أي فرصة أيديولوجية أو دينية أو سياسية أو اجتماعيّة لتأخذها كمبرّر لتفعيل نزعاتها العنفيّة كسباً لِلَذّتها الساديّة. هكذا يمكننا فهم الحروب كلّها».
أما المثقّف رمزي هلال، الطبيب اللبناني المُتخصِّص في أمراض الدماغ والجهاز العصبي، فقال إنّ الموضوع عميقٌ جداً يحتاج إلى الاستفاضة من جوانب عدّة، دينية ونفسية ومرَضية، «وهناك ما يُسمَّى «Neuroimmunology» وكيفية تأثير الأمور في الأعصاب وكيف تولّد أمراضاً». وأردف قائلاً: «هناك توجّه علمي اليوم في العالم لمعالجة المجرمين. بين هؤلاء القادة اليوم في العالم، هناك شخصيات مرَضية فعلاً: نرجسية وسيكوباتية خطيرة، يتبعها بعض الناس مثل القطيع. إنّ الفكرة تُحيي والفكرة تُميت. النظام العالمي السائد اليوم ألغى من قاموسه الإنسانيات، وتحوّلت فيه قوّة الأخلاق إلى نقيضها: «أخلاق» القوّة، والرأسمالية العالمية بشراستها على مستوى الفرد والأنظمة والبشر خطيرة أدّت ولا تزال تؤدّي دوراً مخيفاً».
السبب الرئيسي لتروما الحرب في منطقتنا هو المعتدي السيكوباتي

وأضاف: «كأنما تستيقظ بيضة الديناصور داخل الإنسان. دراسات مخيفة تجعلنا نرى أنّنا نحمل 4 % تقريباً من جينات إنسان «النياندرتال» القديم، نزعة العنف والإبادة موجودة لدى الإنسان منذ القِدم والتاريخ شاهد. اليوم تستيقظ نزعتا الدم والشر، ولدى الصهيوني ذلك الفكر الديني المتطرّف غير العقلاني وغير الإنساني الذي يرفض الآخر، ويعدّ الآخرين أدنى من الحيوانات، ويعتبر أنّ له الحق أن يفعل بهم ما يشاء. إنها مراحل التطرّف الديني والانتماء الأعمى. مخيفٌ ما يحدث، والإنسان ذاهبٌ باتجاه غير عاديّ، كأننا نحن البشر نسير باتجاه الانقراض السادس. ما يحدث خطير جداً إذا لم يُضبَط. معظم رؤساء العالم لديهم مشكلات وعاهات نفسية».