حجر فوق حجر، كان البناء. وحجر تحت حجر، كان الركام. وحجر وراء حجر، كانت الانتفاضة، انتفاضة الشعب المصلوب ابنه على خشب، والواقف تحت الصليب ينادي، إلهي إلهي. ليس في سابق الكلام محاولة لاستعادة مفضوحة للكلام المكرّر عن فلسطين الضحية المضحّية. فهذه الأرض وشعبها ومن انتمى إليهما بفعل القضية، جميعهم يعرفون ويدركون أن التاريخ يتغيّر في منطقتنا والعالم بفعل فلسطيننا. فهذه الأرض المحتلة التي لم تعرف استقلالاً لمّا استقلّت باقي دول المنطقة عن دول الاستعمار القديم الجديد، تقاتل عن الجميع، كي لا يظل الاستعمار بصيغه المختلفة في بلادنا، وفي قلوب البعض من شعوبها.
وكان من الفلسطينيين من ظنّ في يوم من الأيام أن «السلام» سيتمكّن من جلب بعض الحقوق، وستتكفّل السنون بجلب البقية، فلا أتى السلام، والسنون قضمت ما كنا نحاول أن نستردّه من حقوق. وها نحن نكمل ما بدأته الثورة الفلسطينية قبل عقود، نخوض نضالاً في الأرض، ونضالاً في المنطقة، ونضالاً في العالم.
هذا النضال الفلسطيني الذي على ما يبدو هو جذّاب جداً، وقادر على جعل المواطنين في العالم أن يعيدوا التفكير في قيمهم ومفاهيمهم التي استرخوا معها لسنين، ففلسطين الكشّافة، تبين في كل مرة ما في هذا العالم من شرور، وتمايز بدقّة بين الأبيض والأسود.
ففلسطين بنضالها المستمر، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن القضية ليست فصائل إسلامية أو يسارية أو وسطاً. إنما هي قضية حق وحقيقة، حق شعب، وحقيقة أرض، بينهما تتفاعل الأمور. فمن الزاوية الفلسطينية لا صراع بين الأمرين، والأمور ثابتة جلية، الشعب الفلسطيني يريد حريته واستقلاله وعودة اللاجئين منه، والأرض تريد أولادها وتناديهم. ومع أن اللغة تذهب قليلاً نحو التعبير المجازي، إلا أنها تقول الحقيقة الجلية الجالبة للشمس، بمعنى أن من يعرف حقيقة فلسطين، يعرف ما الذي يحدث في غزة منذ أكثر من شهرين، ومنذ أعوام حين أطبقت إسرائيل حصارها على القطاع، ويعرف ما الذي يحدث في الضفة الغربية وغزة منذ احتلالهما عام 1967، ويعرف ما الذي يحدث في كل فلسطين منذ احتلاها عام 1948. هذه المعرفة التي تحتاج إلى معلومات دقيقة، وكلام كثير في المجالس والجلسات، ليست معقّدة على الإطلاق، على العكس، هي بسيطة جداً، تستوجب فقط الإنصات إلى الضمير، وإعمال العقل في فهم المجريات. فشعب كان يعيش في مدنه وقراه، مورست عليه مقتلة كالتي تجري اليوم أمام الجميع، وتُشاهد على الشاشات، هذا الشعب هو ذاته الذي يناضل من أجل حقوقه، ومن أجل الإصغاء لصوته في العالم.
وحتى يصغي العالم لصوته، لا بد من سياسة تتكامل تكتيكاتها وإستراتيجياتها مع الكل الفلسطيني الفاعل وغير الفاعل حتى يفعّل نفسه. لذا، وهنا عودة إلى القوى الفلسطينية الفاعلة، من فصائل وأحزاب، ومؤسسات وجهات وجمعيات ومراكز، ربما عليها أن تلتقي على الفكرة التالية لتحرير فلسطين، وهي كيف نحرر فلسطين.
إنّ هذه الفكرة العظيمة التي استشهد ويُستشهد من أجلها الآلاف، تحتاج إلى مساهمات أخرى إلى جانب المقاومة، كتلك التي تقدّم الأفكار والاستشارات والانتباهات المهمة، وتلك التي تعمل إعلامياً وإعلانياً في العالم العربي والعالم، وتلك التي توظّف طاقة الطلاب في الجامعات كافة للحديث عن فلسطين وقضيتها.
المقاومة وحدها لن تكون قادرة على مواجهة كل الشؤون، وليست مسؤوليتها أن تتصدّى لكل الأمور، لكن ما عليها فعله، وهذا يقع على عاتقها، أن تتفاعل مع كل الجهات الفلسطينية، سواء تلك التي تلتقي معها فكرياً أو لا تلتقي، لتستفيد من كل المقدرات الفلسطينية الوطنية التي تجتمع على فكرة فلسطين المحرّرة. فسؤال كيف نحرر فلسطين، هو الذي يجب أن يكون قائماً على الدوام، وهذا السؤال الذي يجيب عنه الميدان، إجابته غير كاملة، فباقي الإجابة موجود في لدن كل إنسان، فلسطيني وعربي وعالمي.

* صحافي فلسطيني